لقد أثار تفكيك وكالة الولايات المتحدة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) فى إطار أجندة «أمريكا أولاً» التى تبناها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب جدلاً كبيراً. ورغم أن وكالة USAID قد لعبت دوراً مهماً فى تقديم المساعدات الخارجية للعديد من البلدان، إلا أن توقفها قد يشكل نعمة مقنَّعة للدول التى اعتمدت طويلاً على هذا الدعم. كما يُقال، الحاجة أم الاختراع، وهذه اللحظة تمثل فرصة للدول لمواجهة تحدياتها بشكل مباشر ووضع مسار بديل نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي.
لطالما كانت المساعدات الخارجية على مر العقود سيفاً ذا حدين. فمن جهة، قدمت الدعم الحيوى فى أوقات الأزمات، ممولةً برامج صحية ومشاريع بنية تحتية. ومن جهة أخري، تأتى هذه المساعدات مقيدة بشروط وأحكام تقيد التقدم الحقيقى وتكرس التبعية. كما حذر الرئيس الكينى السابق أوهورو كينياتا، من أن المساعدات الخارجية لا يمكن أن تكون أساساً مقبولاً للازدهار والحرية. لقد حان الوقت للدول للتخلى عن هذه المساعدات وتبنى الاعتماد على الذات.
أحدث قرار ترامب بقطع تمويل وكالة USAID تحولاً كبيراً فى الوضع القائم، مما دفع الدول إلى إعادة تقييم أولوياتها. فقد أصبحت التبعية للمساعدات متجذرة بعمق على مر السنين، مما أسفر عن تراجع التجارة وتدهور الطموحات الوطنية فى بناء الصناعات وتعزيز الاقتصادات. وقد سقطت العديد من الدول المعتمدة على المساعدات فى حلقة مفرغة، متكلة على الدعم الخارجى فى الوقت الذى تهمل فيه تطوير قدرتها المالية ومساءلتها تجاه مواطنيها. وقد أدى هذا الاعتماد إلى إضعاف الحوكمة وتعزيز «عقلية الضحية» التى تعرقل الابتكار والتقدم.
أما الآن، وبعد قطع حبل المساعدات، فيتعين على الدول إعادة توجيه جهودها نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي. وينبغى أن تكون الأولويات العاجلة هى ضمان الأمن الغذائي، وتحسين أنظمة الرعاية الصحية، وتوفير المأوى لشعوبها. كما يجب على الدول دعم بعضها البعض فى هذا المسعي، من خلال إقامة شراكات إقليمية وتعزيز التعاون لتعويض غياب المساعدات العالمية.
التجارة، وليس المساعدات، هى الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة. فالعديد من الدول التى تعتمد على المساعدات تواجه صعوبة فى تحقيق اقتصادات كبيرة الحجم، مما يؤدى إلى انخفاض مستويات التجارة ونمو صناعى محدود. ومن خلال الاستثمار فى الصناعات والبنية التحتية، يمكن للدول توسيع إنتاجها الإجمالى وزيادة التجارة، مما يضع أساساً للاستقرار الاقتصادى طويل الأمد.
وكما شددت مراراً، فإن الأزمات تحمل فى طياتها فرصاً. إن نهاية وكالة USAID تمثل جرس إنذار للدول من أجل تحفيز روح ريادة الأعمال لدى شعوبها وامتلاك زمام مصيرها. ومن خلال توحيد الموارد، وتطوير البنية التحتية الإنتاجية، وتركيز الجهود على الاعتماد على الذات، يمكن للدول أن تحول هذا التحدى إلى لحظة محورية لتغيير مجتمعاتها نحو الأفضل.
إن الطريق إلى الأمام لن يكون سهلاً، لكن الفرص الواعدة المحتملة ضخمة. فالحاجة هى بالفعل أم الاختراع، وأتمنى بصدق أن تكون هذه اللحظة من الاضطراب دافعاً لبدء عصر جديد من التقدم والازدهار. فدول العالم لديها الكثير لتقدمه ويجب عليها المضى قدماً دون الاعتماد على المساعدات الأمريكية.