قبل أيام تحدث بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل عما أسماه حرب «السبع جبهات» وكأنه مضطر إلى خوض هذه الحرب أو «مجبور» على مواصلتها ، رغم أن الواقع يشير إلى كذبه وبهتانه وأن المسمى الحقيقى لديه هو حرب العربدة والإبادة والتوسع والطمع والاستيطان والاستيلاء على الأراضى العربية بالقوة، هذه الحرب التى اشعلتها حكومة نتنياهو بحجة الرد على عملية «طوفان الاقصى» الفلسطينية فإذا بها تتخذها ستارا لأسوأ أشكال الحروب الاستعمارية فى التاريخ الحديث وأكثرها بشاعة على الإطلاق، فليس من «التكافؤ» أن يتساوى جيش الاحتلال المدجج بالجنود والعتاد والسلاح بتنظيمات المقاومة الفلسطينية مهما كانت أسلحتها وتدريباتها، وليس من «المعقول» أن تستغل الحرب فى غزة لتمتد إلى الضفة الغربية ولبنان وسوريا ثم اليمن وإيران والعراق، وليس من «العدالة» أن يصمت العالم على هجمات إسرائيل المتكررة على هذه الدول، بينما يتم محاصرة ومعاقبة سكان غزة بسبب «مقاومة الاحتلال».
>>>
لقد استهدفت المخططات الاستعمارية والحروب الإسرائيلية منطقتنا العربية على مدار عقود، وللأسف انعكست الآثار السيئة لهذه الحروب على كل دول المنطقة ، وكان لمصر النصيب الأكبر منها، لأن مصر هى الدولة الجارة والشقيقة الكبرى لفلسطين والحاضنة لقضيتها منذ نكبة 1948 وحتى الآن، ولأن مصر خاضت من أجل القضية الفلسطينية عدة حروب عانت بسببها اقتصاديا وامنيا واجتماعيا ، كذلك لأن مصر رغم توقيعها اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979 إلا انها لم تسلم من مخططات الصهيونية العالمية والتى كان آخرها احداث يناير 2011، ومحاولة إسقاط الدولة بالفوضى والإرهاب ، أيضا لأن مصر محاصرة منذ عدة سنوات بالحروب والاضطرابات من كافة الجهات: الحرب الإسرائيلية المشتعلة فى غزة والضفة وفى سوريا ولبنان، والحرب المشتعلة فى مياه البحر الأحمر والمؤثرة على الملاحة فى قناة السويس، والصراع المحتدم فى السودان والتوترات المستمرة فى ليبيا، إضافة للحروب الإعلامية المشبوهة والتى تتعرض لها مصر يوميا بغرض إثارة المخاوف والأزمات .
>>>
هذه الأوضاع الدراماتيكية والمحزنة فى المنطقة والتى تهدد أمن واستقرار مصر، لابد وأن تلح على ذاكرتنا هذه الأيام خاصة ونحن نحتفى بالذكرى الـ43 لتحرير سيناء وهو ما أشرت إليه الأسبوع الماضى فى هذه الزاوية، ودعوت من خلالها الأجيال الجديدة من الشباب وصغار السن أن يعرفوا كل شىء عن سيناء» الموقع والمساحة والتحديات» ليس فقط باعتبارها أرضاً مصرية تحررت من الاحتلال الإسرائيلى بالحرب والسلام ، ولكن لأنه وفى ظل حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل حاليا على قطاع غزة ومحاولتها تصفية القضية الفلسطينية إضافة إلى عربدتها فى المنطقة، زادت من الأهمية الاستراتيجية لسيناء باعتبارها خط الدفاع الأول والأخير عن الأمن القومى المصرى وفى وقت تقف مصر بمفردها ضد همجية إسرائيل وضد وحشية الإحتلال الذى لا يخجل من قتل العجائز والأطفال والنساء.
>>>
وحقيقة فإن مثل هذه الجرائم الإسرائيلية لايجب أن تغيب لحظة عن المصريين ، خاصة وأن رئيس الوزراء الاسرائيلى لديه الاستعداد لمواصلة هذه الحرب الظالمة لشهور قادمة لضمان بقائه فى السلطة و لتفادى محاكمته بتهم الفساد مهما بلغت الخسائر الفلسطينية ومهما تجاوز عدد الضحايا مئات الآلاف،، لذا لابد أن تكون هذه المشاهد الإسرائيلية دافعا لدينا للمزيد من الاستعداد والوعى بأن حكومة تل أبيب التى تتحدث حاليا عن حرب السبع جبهات، ممكن جدا أن تتحدث قريبا عن حرب» الثمانى جبهات»، بإستهداف سيناء و«قضم» معاهدة السلام، كون ذلك ليس غريبا على اسرائيل التى نشأت بحرب العصابات ، ولاتعرف إلا القتل والدمار.
>>>
من هذا المنطلق ، تزداد أهمية جهود مصر الدبلوماسية لوقف اطلاق النارفى غزة ومنع اسرائيل من تنفيذ مخططها بتصفية القضية الفلسطينيية، كما يتعاظم دور تطوير وتأهيل القوات المسلحة، وهنا نتوقف عند التدريبات المشتركة التى تجريها مصر مع الدول الشقيقة والصديقة والتى نتابع آخرها هذه الأيام عبر التدريب الجوى المشترك» المصرى – الصينى»، فمثل هذه التدريبات تكشف إلى أى مدى وصل حرص القوات المسلحة المصرية على الاستفادة من المدارس العسكرية المختلفة فى أوروبا وآسيا وأفريقيا ضمن خطوات مدروسة ومحسوبة تتعامل مع تطورات الأحداث كأن الحرب غدا،، ولتلافى أخطاء حرب 1967، كما استفادت قواتنا من دروس نصر أكتوبر1973، وعرف رجال الجيش المصرى أن العرق فى التدريب يوفر الدماء فى الحرب وأن الكفاءة القتالية والقدرات المتنوعة للقوات المسلحة تضمن حماية الأمن القومى للدولة وتجعل إسرائيل تحسبها ألف مرة قبل أن تفكر فى اختراق حدودنا أو الطمع فى سيناء مرة أخرى، لأن ذلك سيكون تكلفته عالية وثمنه باهظا جدا.