نحن فى مصر لا نعرف شيئاً عن القضية إلا أنها القضية الفلسطينية ولا شيء آخر.. فمنذ أن تم الاستيلاء على الأراضى الفلسطينية فى عام ٨٤٩١ وإعلان قيام إسرائيل وقضية مصر الأولى هى قضية الحق والوجود الفلسطيني.
وفى سبيل القضية فإن مصر دخلت فى حرب فلسطين وأبلت القوات المصرية بإمكانياتها العسكرية المحدودة آنذاك بلاء حسناً وقدمت التضحيات والشهداء لنصرة الشعب الفلسطيني.
ولم تتوقف مصر عن تقديم الشهداء والتضحيات خلال سنوات طوال كان شاغلنا الشاغل فيها هو القضية وأصحاب القضية حتى عندما كان بعض أصحاب القضية يتاجرون بها ويكتفون بإعلاء الشعارات وتحقيق المكاسب السياسية والمادية.
وعندما حققت مصر انتصارها التاريخى فى حرب أكتوبر الخالدة.. وعندما تمكن المقاتل المصرى من قلب موازين الاستراتيجيات العسكرية.. وعندما ارتفع العلم المصرى فوق سيناء.. وعندما بدأت مرحلة جنى ثمار النصر بهجوم السلام الذى قاده رئيس مصر محمد أنور السادات فإن السادات كان حريصاً على أن يكون الانتصار بداية تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة ووضع علم فلسطين على طاولة المفاوضات فى أول مباحثات للسلام فى فندق مينا هاوس.
>>>
ولأننا لسنا من أنصار الترحم على الماضى فإننا نستعيده للدروس ولعدم تكرار الأخطاء.. فقد كان ممكناً انتهاز الفرصة التاريخية التى قدمها السادات من أجل القضية، ولكننا أهدرناها بغرابة.. وأهدرناها برعونة لأننا لم نتفق على رؤية ولا على هدف ولا على استراتيجية وإنما كنا نبحث عن كل شيء أو لا شيء على الإطلاق..!
وأقول ذلك اليوم فى مناسبة بعض الآراء والتحليلات التى تتردد خارج الحدود من الذين اكتفوا طوال تاريخهم السياسى بتوجيه الانتقادات والمزايدة بالقضية والذين يحاولون اليوم الزج بمصر بطريقة لا تتفق مع مواقفها ومبادئها ومساندتها للحق الفلسطيني.
فالقاهرة الحريصة على أن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة كانت أول من أعلن رفض نزوح وتهجير أهالى غزة من أراضيهم لأن مصر تعلم أن من يخرج لا يعود وأن تفريغ الأرض من سكانها يعنى تفريغ القضية ويعنى ضياع الحلم الفلسطينى فى الدولة المستقلة.
والقاهرة التى أعلنت موقفها بوضوح وبحسم كانت سبباً أساسياً دفع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا إلى معارضة خطط نتنياهو فى طرد الفلسطينيين من أراضيهم.. القاهرة بنظامها السياسى القوى كانت لها الكلمة والرؤية والقرار فحافظت على القضية وأبقت على الحلم قائماً.. فالقاهرة لا تتاجر بالقضية لأن القضية الفلسطينية هى فى الأصل قضية مصرية أيضاً.
>>>
ونخرج من القضية التى طال البحث عن حلول لها إلى قضايانا المحلية والتى طال فيها الحوار والحديث أيضاً ومازلنا نبحث عن خارطة طريق للخروج من تعقيداتها.. وأتحدث فى ذلك عن قضية الطب فى مصر.. مصر التى تمتلك أعظم إمكانيات طبية فى المنطقة.. كفاءات بشرية لا مثيل لها، خبرات طبية فى كل المجالات، مستشفيات خاصة عملاقة فى الكثير من المدن، ومع كل ذلك فإننا حتى الآن لم نستطع أن نحول الطب إلى صناعة.. إلى أحد موارد الدخل القومي.. إلى مصدر هام للسياحة العلاجية.. إلى مركز طبى عالمى فى المنطقة.. نحن نملك كل شيء.. كل مقومات صناعة الطب والدواء.. ومع ذلك فالاستفادة لا تتناسب وحجم الإمكانيات.
>>>
وأحياناً ما تؤلمنا التجارب الشخصية ولكنها مقياس أحياناً للتعامل فى الأزمات.. فقد داهمتنى متاعب فى القلب استدعت البحث عن طبيب فى قائمة الأطباء التى أحملها معي.. هذا لا يرد أبداً.. وهذا غير موجود وهذا لا يمكنه استقبال أحد قبل عدة أسابيع.. وآخر لم يبد أى تفاعل من أى نوع فى الرد على الاستفسارات.. وأحدهم.. واحد فقط تطوع لإرسالى إلى أحد المستشفيات الخاصة والذين وجدوا أن «البيه» قد حضر إليهم بقدميه وأن عليه أن يدفع باليمين وباليسار لقاء فحوصات وتحاليل وإشعات لا علاقة لها بالشكوي..!
ولأن الطب قد تحول عند البعض إلى تجارة وشطارة فإن هذا هو ما يؤلمنا وهذا هو ما يوجع قلوبنا.. وهذا هو ما نتمنى أن يكون له نهاية!!
>>>
وبعد حوالى شهر من تحرير سعر صرف الجنيه.. فإن الجنيه المصرى مازال صامداً.. والدولار ثابتاً فى مكانه.. والمؤشرات تقول وتؤكد أن كل الأمور الآن تحت السيطرة.. وقد تكون هذه هى البداية فعلاً لتراجع الأسعار.. ولعودة جزء من خير زمان.. وقولوا يارب.
>>>
وفى شهر رمضان.. كانت الموائد الجماعية فى إفطار رمضان فى الأحياء الشعبية هى حديث السوشيال ميديا.. ناس حلوة جدعان كانت تحتفل بسعادة وصفاء.. ناس تريد إعادة اكتشاف مواطن الجدعنة والشهامة فى الشخصية المصرية.. ناس كانت تعيد لنا الأمل.. ناس حلوة احتفلنا معاهم وبيهم بأجمل أيام العام.
>>>
وأخيراً:
>> الأمل يحفظ الدمعة التى يسقطها الحزن.
>>>
>> والحنين هو اشتياقك لقطعة من روحك
فى مكان آخر.
>>>
>> والبستان الجميل لا يخلو من الأفاعي.
>>>
>> واللهم لطفاً بقلوبنا وأحوالنا وأيامنا.