على صفحات التاريخ المصرى يظل الخامس والعشرون من أبريل محفوراً بمداد من ذهب يوم استرداد سيناء الغالية تتويجاً لمسيرة طويلة من الصمود والتضحية لم يكن هذا اليوم مجرد استعادة لأرض بل كان رمزاً لإرادة شعب أبى الانكسار وبسالة جيش قدم أغلى التضحيات وحكمة قيادة آمنت بأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه.
فى الخامس والعشرين من أبريل من كل عام تتجدد فى وجدان الشعب المصرى ذكرى من أعظم محطات العزة الوطنية، حين استعادت مصر سيادتها الكاملة على أرض سيناء الطاهرة بعد سنوات من الاحتلال والصراع والنضال إنه اليوم الذى خفقت فيه راية الوطن فوق جبال سيناء وسهولها لترسخ فى الذاكرة الوطنية معنى الانتصار لا بالسلاح وحده بل بالارادة والعقل والدبلوماسية الحكيمة.
تحرير سيناء لم يكن حدثاً عابراً فى سجل التاريخ بل يمثل ذروة ملحمة وطنية متكاملة بدأت منذ يونيو 1967 مروراً بحرب الاستنزاف التى انهكت العدو وصولاً إلى نصر أكتوبر المجيد عام 1973 والذى أعاد للجيش المصرى هيبته ومهد الطريق لاتفاقية السلام التى تُوجت بتحرير كامل التراب السيناوى عام 1982 باستثناء طابا التى عادت عبر التحكيم الدولى فى عام 1989.
تمثل سيناء أكثر من مجرد أرض محررة، فهى بوابة مصر الشرقية وواحدة من أهم المناطق الاستراتيجية فى آلعالم إذ تقع فى قلب مفترق الطرق بين آسيا وإفريقيا وتطل على أهم الممرات المائية الدولية وعلى مدار التاريخ كانت سيناء مهداً للأنبياء وساحة لصراعات الأمم وشاهدة على دماء سالت دفاعاً عن ترابها الغالي.. ومع استعادة الأرض بدأت الدولة المصرية مرحلة جديدة من المعركة عنوانها: التنمية الشاملة والأمن المستدام.
منذ اللحظة الأولى للتحرير، وضعت الدولة المصرية سيناء على رأس أولوياتها التنموية والأمنية وخلال السنوات الأخيرة اتخذت الحكومة خطوات غير مسبوقة لتحويل سيناء من منطقة حدودية منسية إلى قلب نابض بالاستثمار والبناء.
وفى مواجهة الارهاب الذى حاول أن يجد فى تضاريس سيناء ملاذاً له شنت القوات المسلحة واحدة من أكبر عملياتها فى العصر الحديث – «العملية الشاملة سيناء»- التى اسفرت عن تدمير مئات البؤر الإرهابية وتأمين المناطق الحيوية وإعادة الحياة إلى قرى ومدن كانت تعانى من التهميش والخوف.
إلى جانب الدور الأمنى تضطلع القوات المسلحة بدور تنموى بارز حيث أنجزت عدداً من المشروعات القومية الكبرى فى سيناء من شبكات الطرق والانفاق العملاقة تحت قناة السويس إلى المدن السكنية الحديثة والمجمعات الزراعية والصناعية والمدارس والمستشفيات بما يسهم فى ربط سيناء بالوطن الأم وتحقيق التنمية المتوازنة التى تستحقها هذه الرقعة المباركة.
ما حققته الدولة فى سيناء خلال السنوات الماضية هو تطبيق عملى لمعادلة شديدة الأهمية: لا أمن بدون تنمية ولا تنمية بدون أمن لذا فإن ما نشهده اليوم من استقرار فى سيناء وتراجع واضح فى العمليات الإرهابية ليس إلا نتيجة مباشرة لهذا الدمج بين الحسم العسكرى والتخطيط الاستراتيجى للتنمية.
فى ذكرى تحرير سيناء لا يسعنا إلا أن نوجه التحية إلى كل من ساهم فى هذا الانجاز الوطنى العظيم من الجنود الذين خاضوا الحروب وضحوا بأرواحهم إلى الدبلوماسيين الذين انتزعوا الحقوق بالمفاوضات مروراً بالقادة الذين آمنوا بقدسية الأرض وانتهاء بالشعب المصرى الذى ظل على العهد مسانداً لوطنه فى كل محنة وملتحماً مع قواته المسلحة فى كل مرحلة من مراحل الكفاح.
تحرير سيناء لم يكن نهاية الطريق بل بدايته ونحن نحتفل بهذه الذكرى نعى تماماً أن معركة البناء لا تقل أهمية عن معركة التحرير وأن التنمية الشاملة التى نشهدها هى خير وفاء لتضحيات الشهداء وأصدق تعبير عن الوفاء للوطن.