الإنسانية.. لم تكن بحاجة إلى هدى القرآن والكتب المنزلة.. بمثل ما هى عليه اليوم
أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف أن الأحداث القاسية التى نعيشها صباحا ومساء تثبت أن الإنسانية لم تكن فى عصر من عصورها، بحاجة إلى هدى القرآن الكريم وهدى أمثاله من الكتب المنزلة بمثل ما هى عليه اليوم.
وقدم فضيلة الإمام الأكبر – فى احتفالية وزارة الأوقاف بليلة القدر – التهنئة للرئيس السيسى ولشعب مصر الأبى الكريم وللعالم العربى والإسلامى التهانى بمناسبة الاحتفال بليلة القدر.
قال فضيلته: «إن ليلة القدر هى الليلة التى بدأ فيها نزول القرآن على قلب محمد صلى الله عليه وسلم نورا يهدى به الله من يشاء من عباده ويخرجهم به من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم».
أضاف: «وصف الله تعالى هذا القرآن بأنه الكتاب الحكيم وأنه الكتاب المبين وأنه الحق وأنه تبيان لكل شيء وأنه هدى ورحمة وأنه لا ريب فيه وأنه الكتاب الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أنزله الله بالحق والميزان ليحكم بين الناس، إلى صفات أخرى كثيرة من صفات الجلال والجمال والكمال، قدمت هذا الكتاب الكريم للناس، وأغرتهم بتلاوة ألفاظه وتدبر معانيه، وكيف لا والمتكلم هو الله سبحانه وتعالى ومن أصدق من الله قيلا ومن أصدق من الله حديثا ومبلغه هو أفصح الناس وأبلغهم وأعلمهم بمران كلامه وأسرار فصاحته وبيانه».
أضاف: «لعل الأحداث القاسية التى نعيشها صباحا مساء تثبت أن الإنسانية لم تكن فى عصر من عصورها بحاجة إلى هدى القرآن الكريم وهدى أمثاله من الكتب المنزلة بمثل ما هى عليه اليوم.. فقد أصبح واضحا أن عالمنا المعاصر فقد القيادة الرشيدة الحكيمة وراح يقبض قبض عشواء بلا عقل ولا حكمة ولا قانون دولي، وبات يندفع بلا كوابح نحو هوية لا يعرف لها التاريخ مثيل من قبل، وأننا بعد عقود من علاقات الحوار الحضارى بين الأمم والشعوب استبدلنا بها وعلى نحو متسارع غير علاقات الصدام والصراع وسرعان ما تحول هذا الوضع البائس أيضا إلى علاقات صراع مسلح».
أوضح بأنه سرعان ما تحول هذا الوضع البائس إلى علاقات صراع مسلح تطور أخيرا إلى صورة بالغة الغرابة والشذوذ فى تاريخ الحروب والصراعات المسلحة، أبطال هذه الصورة قادة سياسيون وعسكريون من ذوى القلوب الغليظة التى نزع الله الرحمة من جميع أقدارها، يقودون فيها جيشا مدججا بأحدث ما تقذف به مصانع أوروبا وأمريكا من أسلحة القتل والدمار الشامل ويواجهون به شعبا مدنيا أعزل لا يدرى ما القتل وما القتال وليس له عهد من قبل بسفك الدماء ولا بمرأى جثث الأطفال والنساء والرجال والمرضى وهى ملقاة على قوارع الطرقات، أو مغيبة تحت أنقاض ومبان مهدمة فى الأزقة والحواري».
وأضاف فضيلته أن كل ما يعرفه شعب غزة البريء الفقير المحاصر هو أن أقداره شاءت أن يلقى ربه شهيدا وشاهدا على جرائم الإبادة والمحرقة الجماعية فى القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد والذى بشرونا بأنه قرن العلم والتقدم والرقى والأخلاق الإنسانية والحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان وغير ذلك من الأكاذيب والأباطيل التى انطلت على كثيرين منا وحسبوها حقائق ثابتة من حقائق الأذهان والأعيان، فإذا هى اليوم وكما يقول القرآن الكريم «كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا».
وشدد فضيلة الإمام الأكبر على أن المؤسسات الدولية والمواثيق العالمية وفى مقدمتها مؤسسة الأمم المتحدة والإعلان العالمى لحقوق الإنسان وغيرهما من المنظمات التى تتعهد موادها الأولى فى قوانينها ومواثيقها بحفظ السلام والأمن الدوليين ومبدأ المساواة بين الدول الأعضاء وتحريم استخدام القوة أو مجرد التهديد بها فى العلاقات الدولية والامتناع التام عن التدخل فى الشئون الداخلية للدول، تقف اليوم عاجزة بل مشلولة شللا رباعيا أقعدها عن تنفيذ بند واحد مما تعهدت بتنفيذه.
أوضح أن تلك المؤسسات لطالما غلبت على أمرها وعلى إرادتها وقراراتها التى تحظى بأغلبية ساحقة من الدول الأعضاء بعدما تجهضها تدخلات سافرة من قوى مستبدة مدربة على كتمان الحق حينا وإلباسه ثوب الباطل حينا آخر والغطرسة والجفوة والعجرفة أحيانا كثيرة.
أعرب فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، عن تخوفه من تدخل القوى الكبرى كشريك داعم بماله الوفير وأسلحته الفتاكة للقوة الغاشمة، التى تعلم علم اليقين أنها ستسحق به الضعفاء والمستضعفين من الرجال والنساء والأطفال والمرضى وأنهم يجوعونهم ويحيطونهم بضغوط لا قبل لهم بها حتى إذا خرجوا من ديارهم وأموالهم، صبوا فوق رؤوسهم من عذاب الجحيم ما سيكتبه التاريخ دماء ودموعا فى أسود صفحاته وأسودها ظلما وظلاما.
قال: إن حالة التنازع والتفرق التى وصل إليها أبناء أمتنا العربية منذ أمد بعيد قد أصابت الجميع بما يشبه حالة فقدان التوازن وهو يتصدى إلى عظائم الأمور، وأعجزتهم عن مواجهة أزماتهم المتلاحقة مواجهة دقيقة، مشيرا إلى أن الأمة العربية لن تستعيد القدرة على التقدم والنهوض ومواجهة الأزمات إلا بتحقيق وحدة العرب وتطبيق سياسة التكامل الاقتصادى وتغليب المصالح العامة والاتفاق على رؤى مستقبلية وخطط مشتركة مدروسة وقابلة للتنفيذ.
ونبه فضيلة الإمام الأكبر إلى أن التعامل مع قضية فلسطين والقدس الشريف لا يعكس حجم ما أنعم الله به علينا من ثروات بشرية وطبيعية هائلة ومن قوة وطاقات جبارة لا تنفد وعقول خلاقة فى ميادين الحياة العلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وأشار إلى أن ما يحدث للمنطقة من مآس وآلام وأحزان ومشاعر سوداء يجب أن يمثل نقطة تحول حاسمة بين عهد مضى وعهد جديد تأخذ فيه الأمة العربية والإسلامية بأسباب القوة والإيمان المدعوم بالله سبحانه وتعالى وقيم الإسلام والأديان السماوية، كى تستحق مكانتها اللائقة بتاريخها وحضارتها.
دعا فى ختم كلمته، علماء الأمة إلى النهوض فى غير إبطاء لتحقيق وحدة علمائية تجمع رموز الإسلام من سنة وشيعة وغيرهم ممن هم أهل القبلة ويجلسون على مائدة واحدة لوضع حدود فاصلة بين ما يجب الاتفاق عليه وما يصح الاختلاف فيه، مؤكدا أن اتفاق علماء الأمة سيثمر بالضرورة عن اتفاق قادتها وسيدفعهم إلى تحقيق المصالح القطرية فى إطار المصلحة العربية والإسلامية.
وهنأ شيخ الأزهر الرئيس عبد الفتاح السيسى على توليه فترة رئاسية جديدة، داعيا الله عز وجل أن يوفقه ويسدد خطاه على كل جهد يبذله من أجل رفعة شعب مصر الأصيل.
مجلة الأزهر هدية للرئيس من شيخ الأزهر
أهدى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الرئيس عبدالفتاح السيسى نسخة من الإصدار الثانى لمجلة الأزهر باعتباره أهم حدث علمى وثقافى فى 2024 والذى يعيد لأذهان هذا الجيل ذكريات فترة تزيد عن 70 عاماً من الحراك الفكرى والعلمى والدينى والثقافى والاجتماعى والعالم العربى والإسلامي.