كنت أتجول فى شوارع عدن التى كانت ملجأ للباحثين عن الجمال، كانت أمامى صورتان واضحتان، الصورة الأولى ما تراه عينى من ضياع والثانية ما تحويه ذاكرتى من ضِياع ، وما بين الصورتين كانت لحظات تأمل قاسية فيما آلت اليه الأمور وما قد كانت ، كان اليمن سعيدا بتاريخه وحضارته المتفردة وشعبه العظيم ، فهبت عليه رياح مسمومة فمزقت أوصاله، تلك الرياح التى قسمت العالم الى غرب رأسمالى متعصب لرأسماليته وشرق اشتراكى أشد تعصبا لاشتراكيته ، كان اليمن ككل دول العالم تعيش تلك الحالة الشديدة من الاستقطاب، وانتهى الأمر بالانفصال بين الشمال والجنوب على وقع الصراعات الدولية الكبرى ، وبعد ان خفت ذلك الصراع تحققت الوحدة عاد الخراب مجددا مع وصول ما يسمى بقطار الربيع العربى كانت اليمن إحدى محطاته الثمانية “ تونس / مصر / ليبيا/ سوريا / اليمن / السودان / العراق / الصومال “ وكانت البضاعة التى يحملها ذلك القطار اللعين مزيجا من الطائفية والتطرف والارهاب ، فكانت النتيجة تقسيم ما هو مقسم ودخل اليمن فى معترك جديد حيث اشتد الصراع بين دعاة الدولة الوطنية المدنية ودولة الطائفية وولاية الفقية ، فاليمن كان ضحية الصراع الدولى ثم الإقليمى، الآن هناك حكومة شرعية معترف بها دوليا تضم ممثلين لكل الأجسام السياسية والمناطقية تسيطر على ما يقرب من 80٪ من ارض اليمن الجريح ، تحاول هذه الحكومة بمساعدة ومساندة أطراف عربية وخليجية أن تغير هذا الواقع الأليم الى واقع مأمول، التحديات صعبة ومعقدة ، فجماعة الحوثى او ميليشيا الحوثى تسيطر على العاصمة صنعاء وتدير شؤون المناطق التى تسيطر عليها بالحديد والنار وقهر النساء ومنعهن من الخروج والتعليم، إذن نحن أمام نموذج «تورا بورا» اليمنى ، فالواقع مؤلم ومعقد لكن دائما هناك أمل ، لكن السؤال الذى يطرح نفسه الآن هو ماذا يمكن ان تقدمه الدول العربية خاصة دول الإصلاح العربى لليمن الآن حتى يخرج من عثراته ؟ أتصور أن أهم نقطة هى توحد اليمنيين حول هدف واحد وهو عودة الدولة الوطنية والتخلص من الميليشيات المسلحة من دون ألدولة وتنفيذ خارطة الطريق التى اقرتها المنظمات الدولية والأمم المتحدة، وتقديم الدعم المالى والسياسى الكامل للحكومة والمجلس الرئاسى ، كذلك يجب أن تتوقف الولايات المتحدة والدول الغربية عن التدخل فى شئون اليمن واثارة النعرات الطائفية من خلال ممارسة النفاق الدولى غير المسبوق ، رئيس اليمن الحالى الدكتور رشاد العليمى رجل محنك ولديه كما قلت بالأمس رؤية واضحة للإصلاح ويحمل خارطة طريق متفقاً عليها وقبل كل ذلك لديه ايمان بامكانية وحتمية النجاح ، الرجل يواجه تحديات جساماً بمنتهى الحكمة والحزم، أعتقد ان اليمن يستحق منا الاهتمام الحقيقى وليس المناسباتى والمجاملاتى فاليمن بموقعه وتاريخه وأهله وقياداته يستحق ما هو افضل