مليون دولار عام 1956 قدمتها الولايات المتحدة لرئيس مصر، لكن الرد المصرى كان متسقا مع صفات المصريين الأجداد والآباء، فجاء الرد بأكبر (لا) منزرعة من قلب أرض مصر، بجوار نيلها، تشق سماء العزة، بقرار مصر الذى لا يفارق كرامتها.. .
الحقيقة أن مصر ظلت تقوم بدورها (القدري) تجاه الأشقاء العرب، فأعلنت دعمها المطلق لينالو الاستقلال، لكن الأمر قد كلف مصر مشاركة فرنسا فى عدوان 56 بمشاركة انجلترا التى أغضبها قرار تأميم قناة السويس التى حفرها شهداؤنا الأجداد طيلة عشر سنوات كما جاء فى كتاب «قناة السويس» للمؤرخ جورج حليم كيرلس الصادر عن دار المعارف 1988 فى ثلاث طبعات: استغرق حفر قناة السويس عشر سنوات، ونصف بحوالى مليون عامل، ومات فيها حوالى 125 ألف مصري، وبلغت تكلفة الحفر والتجهيز والمعدات 20 مليون جنيه إسترلينى فى ذلك التاريخ، وبلغ طول قناة السويس من بورسعيد شمالاً إلى السويس جنوباً حوالى 165 كيلومتراً».
واتحفظ على مفردة «مات» والحق هو ان 125 الف مصرى «استشهد» نتيجة اعمال السخرة تحت القهر، لذا فمن حق آبائنا حَفرة قناة السويس أن نقول عنهم «شهداء حفر قناة السويس» كما سبق وكتبت فى مؤلفى «قناة السويس .. العبور الدائم والتدخل المستحيل» الصادر فى 2015.
ونعود للعنصر المشارك فى عدوان 56 ضد مصر وهى دولة الكيان الصهيونى الولاية الواحد والخمسين ـ غير الشرعية ـ للولايات المتحدة لذلك أقدمت الولايات المتحدة لاستمالة مصر بزعم مساعدتها فى صورة منحة لصالح البنية التحتية، وهذا هو المعلن عن المنحة، أما المسكوت عنه هو أنها «رشوة» لرئيس مصر، ليتغاضى عن مساندة الثورة الجزائرية، وكما يقول عادل شاهين، وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، فى كتابه «برج القاهرة أول مهمة قومية للمخابرات العامة المصرية» الصادر من الهيئة المصرية العامة للكتاب 2014 وينقسم الكتاب إلى خمسة فصول، يتحدث الفصل الأول عن المخابرات الأمريكية ومحاولتها اختراق الذمة المالية لجمال عبد الناصر، والفصل الثانى بعنوان المخابرات العامة تتمتع منذ بداية تكوينها بثقة الرئيس عبد الناصر، أما الفصل الثالث فيتناول برج القاهرة وإرهاصات العدوان الثلاثى على مصر، وفى الفصل الرابع تاريخ برج القاهرة، والفصل الأخير عن حاضر برج القاهرة .
ويحدثنا الكتاب أن الدول الاستعمارية الجديدة «الولايات المتحدة» والقديمة سلكت فى هذا الوقت السبل كافة لإيقاف هذا المد الثورى الذى كان ينطلق من ثورة مصر بهدف تحرر الشعوب من قبضة الاستعمار القديم، وهذا المسلك الثورى يعد خطرا ضد المصالح الاستعمارية فى المنطقة العربية والقارة الأفريقية، ومن ثم تلاقت إرادة هذه الدول مع الكيان الصهيونى فى ضرورة العمل على ايقاف هذا الدور القومى لمصر، وقد اتبعت الدول الغربية وذراعها «الكيان الصهيوني» كل الطرق ـ غير المشروعةـ بدءا من الترغيب فى تدعيم الاقتصاد المصرى بهدف استئناس الحكومة المصرية الجديدة، ومرورا بتدبير محاولات الانقلاب الواحدة تلو الأخرى للخلاص من الادارة الجديدة لمصر، بل لم تتورع عن التخطيط لاغتيال الزعامة المصرية بالقتل أحيانا وباغتيال هذه الزعامة معنويا كما هو الحال فى قصة «الرشوة» التى تحولت الى احتجاج دائم من جانب مصر ضد الرغبة الغربية والصهيونية فى امتلاك الارادة المصرية، ونتج عنها بناء برج القاهرة.. ففى عام 1955 تلقى الرئيس عبد الناصر من مستشاره حسن التهامي، تقريراً عن زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، بناء على دعوة من السفير الأمريكى بالقاهرة لمقابلة بعض الشخصيات السياسية المهمة بواشنطن، التقى التهامى بالرئيس عبد الناصر بمنزله فى منشية البكري، وناقشا معا مضمون التقرير، والذى خلص فيه حسن التهامى إلى أن ما سمعه من مستشار الرئيس الأمريكى فى البيت الأبيض وعدد آخر من السياسيين ينطوى على أن الولايات المتحدة الأمريكية تأمل فى أن يكون لها علاقات طيبة ومتواصلة مع مصر، وأنها تقدر الرئيس جمال عبد الناصر وترى فيه الزعيم الذى يعمل بكل طاقته من أجل تقدم مصر.
ونستكمل فى القادم ان شاء الله تفاصيل كشف مصر لمخطط الأمريكان .