فى لحظة فارقة تشهد فيها المنطقة العربية تحولات عميقة وتحديات متشابكة، جاءت الجولة الخليجية التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسي، وشملت دولتى قطر والكويت، لتعكس بوضوح رؤية مصر الاستراتيجية فى تعزيز التنسيق العربى المشترك، وترسيخ دعائم الشراكة الاقتصادية والاستقرار الاقليمي، لم تكن هذه الجولة مجرد زيارات بروتوكولية، بل حملت بين طياتها رسائل سياسية واقتصادية مهمة تعبر عن العمل الدءوب الذى أنجزته الدولة المصرية خلال السنوات الماضية، خاصة على الصعيد الاقتصادي.
فى العاصمة القطرية الدوحة، توجت المباحثات بين الرئيس السيسى وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى باتفاق مهم لضخ استثمارات مباشرة بقيمة 7.5 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، فى خطوة تسهم بفاعلية فى تقليص الفجوة التمويلية الدولارية لمصر، وتدعم استدامة تدفق النقد الأجنبي، بما ينعكس إيجاباً على توازن النظام التجارى الوطني، فى ظل واقع اقتصادى يستورد ما يقارب 80 مليار دولار ويصدر فى حدود 40 مليار دولار.
لكن القيمة الحقيقية لتلك الاستثمارات تكمن فى التوجه الذكى نحو القطاعات المستقبلية، مثل الاتصالات والطاقة المتجددة، والطاقة النظيفة كالرياح والشمس والهيدروجين الأخضر، فضلاً عن التركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة العالية والصديقة للبيئة، وهو توجه استراتيجى لا يدعم الاقتصاد الوطنى فحسب، بل يجعل مصر منصة إقليمية للصناعات التصديرية النظيفة، خاصة للأسواق الأوروبية المجاورة.
ولم تغب القضية الفلسطينية عن جدول أعمال هذه الجولة، بل كانت حاضرة بقوة، حيث توافق الجانبان المصرى والقطرى على رفض التهجير القسرى للفلسطينيين، والتأكيد على أهمية دعم خطة الإعمار فى قطاع غزة، مع الدفع نحو أفق سياسى يفضى إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1977 وعاصمتها القدس الشرقية، وشدد الزعيمان على ضرورة تكثيف الجهود لتوفير المساعدات الإنسانية وتفادى كارثة إنسانية فى القطاع، بالإضافة إلى دعم مساعى وقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين.
أما محطة الكويت، فقد جاءت لتؤكد عمق العلاقات التاريخية والأخوية بين البلدين، والتى تتجاوز الأبعاد الثنائية إلى آفاق أوسع من التنسيق الاستراتيجى فقد استقبلت الكويت قيادة وشعباً الرئيس السيسى استقبال الأخ لأخيه، بما يعكس ثقة متبادلة وشراكة متينة تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ العربى المشترك.
المباحثات بين الرئيس السيسى وأمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد جابر الصباح تناولت ملفات حيوية تتعلق بالتعاون الاقتصادى والتجارى والاستثماري، إلى جانب تنسيق المواقف السياسية والأمنية فى ظل تحديات إقليمية متصاعدة، وهو تأكيد جديد على أن العلاقة بين القاهرة والكويت ليست علاقة ظرفية، بل تحالف قائم على الثوابت والمصير المشترك، أثبت دوماً صلابته فى وجه المتغيرات.
جولة الرئيس السيسى الخليجية تعكس إدراكاً واضحاً من القيادة المصرية لأهمية توثيق الشراكات العربية وتعزيز التكاتف الاقتصادى والسياسى فى هذه المرحلة الحرجة، كما تجسد فى الوقت ذاته تصميماً مصرياً على اجتذاب الاستثمارات النوعية، وتقديم نموذج تنموى يعزز من مكانة مصر إقليمياً ودولياً، ويؤكد أن مصر كانت ولا تزال ركيزة من ركائز الاستقرار العربي.