منذ أن بدأ عرض حلقاته أول الشهر الفضيل وللآن.. وأعداد المشاهدين له فى ازدياد.. إعجاباً بالحشاشين.. ربما لأن الاسم جذبهم هكذا.. ولأن المشاهد يريد أن يتعرف على تلك الجماعة منذ نشأتها وحتى القضاء عليها نهائياً على يد المغول ثم الظاهر بيبرس عام 1273 بعد 175 عاماً منذ إنشائها كتنظيم سرى على يد حسن الصباح عام 1090 ميلادية أواخر القرن الخامس الهجري.. والتنظيم أو الطائفة الحشيشية.. طائفة شيعية إسماعيلية نزارية باطنية.. انفصلت عن الفاطميين لتدعو إلى إمامة الإمام نزار المصطفى لدى الله وكانت معاقلهم فى بلاد فارس ثم انتشروا فى الشام واتخذ أميرهم الحشاش الباطنى من قلعة ألموت شمال إيران مركزاً لدعوته.
الحقيقة.. المسلسل كعمل فنى جدير بالمشاهدة والمتابعة لأحداثه التى لا تنقطع خلالها عمليات الاغتيالات لكبار رجالات الدولة بمن فيهم سلطان السلاجقة كأقوى دولة مارقة وخارجة على الخلافة العباسية فى بغداد.. وقد حاول المخرج العبقرى بيتر ميمى إيصال الفكرة وتعميقها فى ذهن المشاهد لمسلسل خلاصته إلقاء الضوء على جزء من تاريخ جماعة مارقة من المسلمين.. قامت على تكفير كل المخالفين فى الرأى معها، وإن كان ذلك لم يحدث فى الإسلام فقط فهناك جماعات كثيرة انشقت وانسلخت من المسيحية.. ومذابح البروتستانت والكاثوليك فى أوروبا فى العصور الوسطى خير دليل وكذلك الحال فى اليهودية و»الحريديم» خير مثال فى إسرائيل حالياً.
المسلسل الذى هو من بطولة الفنان كريم عبدالعزيز.. تم تصميم المعارك فيه بحرفية عالية وكأنها واقعية ناهيك عن أبطال العمل وطاقم التصوير والإضاءة والديكور والمؤثرات الصوتية والبصرية.. كما أن المسلسل فيه أكثر من شخصية وهمية ولكن تخدم العمل الدرامى مثل زيد بن سيمون.. ويحيى الفارس بن المؤذن وحبيبته وكيف إنهما إلتقيا فى قلعة «ألموت» صدفة بعدما فقد الأمل فى البحث عنها ليتزوجها.. وغيرها من الشخصيات ولكن بشكل عام الحبكة جيدة والإخراج رائع ومصروف عليه صراحة.. نحن بحاجة إلى مثل تلك المسلسلات التاريخية.. لأنها تعرف الأجيال الحديثة بتاريخ البلاد بحلوها ومرها.. والمسلسل الذى نحن بصدده للكاتب عبدالرحيم كمال قدم شخصيات المؤمن والضال والسكير واللئيم والمخادع والمحبين العاشقين مثل يحيى ونورهان والشاعر مثل «عمر الخيام» والذى ربما لا نعرف عنه سوى رباعياته التى غنتها كوكب الشرق أم كلثوم.. كما أعاد الجمهور للأعمال التاريخية مثل الناصر صلاح الدين والشيماء والرسالة وفجر الإسلام وعمر ويوسف الصديق وغيرها من المسلسلات القيمة تاريخياً التى تم إنتاجها فى مصر وإيران وسوريا وغيرها.. لتقديم وجبات درامية دسمة للمشاهدين نحن فى أمس الحاجة إليها.. خاصة التى وقعت فى فترات مضطربة تاريخياً كمسلسلنا هذا.
المسلسل.. رغم براعته سواء فى التصوير أو السيناريو.. إلا أنه لاقى حملات انتقادات حادة.. خاصة من جماعة الإخوان.. لشعورهم بأن المشاهد سيقارن الحشاشين بهم كجماعة دموية قائمة على تصفية المعارضين أينما كانوا.. ولأن المسلسل كشف توظيف الدين لأغراض سياسية.. ومثل هذه الانتقادات اعتراف من وجهة نظرى بالتشابه بين الإخوان والحشاشين كجماعة دموية مع بعض الاختلافات مثل مفتاح الجنة الذى صنعه الصباح لجذب المزيد من أتباعه، كما إن الاشتراك فى الاسم الأول «حسن».. ربما يكون مصادفة ولكنه زاد من التوتر وجعل جماعة الإخوان تتصدى للعمل الرائع وتقلل من قيمته كعمل فني.. ليذكرنا بالمثل القائل «اللى على راسه بطحة».. وعموماً رأى الإخوان فى المسلسل إسقاط سياسى وفكرى.. فكم من دماء سالت ابتداء من قتل الخازندار والزعيم الراحل أنور السادات ذلك الرجل الذى سبق عصره وانتزع سيناء كاملة بالحنكة السياسية، وعموماً فهى جماعة تعتمد أصلاً فى وجودها على ربط الدين بالسياسة وتكفير الحاكم، لذا فهناك مساحة مشتركة بين «الإخوان والحشاشين» حيث استخدم كل منهما العنف بدعوى الجهاد وأراق الدماء بدعوى الجهاد ووظف الدين لخدمة الأغراض السياسية، وربما استلهم «حسن البنا» مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.. فكرة بناء الجماعة كفكر قائم على الولاء المطلق من الاتباع للقائد وأن البيعة قائمة فى منهج الجماعتين وهى السمع والطاعة والثقة العمياء.. ومن يخاف ذلك يتم تصنيفه وإزاحته من طريقهما بالإضافة إلى التحالف مع الغير والمناهضين فى سبيل تحقيق الأحلام غير القابلة للتحقيق.. والدليل إضمحلال دولة الحشاشين وفشل الإخوان فى الحكم لمصر لمدة عام واحد لأنهم حاولوا «أخونة» الدولة.. وفرض إرادتهم وأفكارهم بالقوة تماماً .
يذكرنى الحشاشون بدولة أخرى سبقتهم قبل قرن تقريباً وهى «القرامطة» نسبة إلى مؤسسها حمدان بن الأشعث الملقب بـ «قرمط» لقصر قامته وساقيه.. وهى دولة سياسية متطرفة وفرقة دينية متشددة خرجت من رحم الطائفة الإسماعيلية الشيعية الباطنية أيضاً كالحشاشين.. وهى لا تقل خطورة عن الحشاشين.. لأنهم تجرأوا وانتزعوا الحجر الأسود لأول مرة فى التاريخ عام 899 ميلادية فى القرن الرابع الهجرى، ولم يكتف القرامطة بنزع الحجر الأسود بل استولوا على الكسوة التى تغطى الكعبة وانتزعوا بابها الرئيسى والحلي.. وحملوها إلى بلادهم بعدما قتلوا آلافاً من الحجاج وقتذاك.. وتسببوا فى منع الحج لفترات طويلة وظل الحجر بحوزتهم حتى توعدهم الخليفة الفاطمى المهدى العلوى فى مصر فرضخوا وأعادوا الحجر وموسم الحج ثانية وكسوة الكعبة بعد ٢٢ عاماً من التوقف للحجاج خشية بطشهم.. ولا أدرى إذا كان أحد الكتاب تناولهم بالتفصيل وإخراج العمل كمسلسل أو كفيلم سينمائى لفترة انتهت بالقضاء عليهم نهائياً عام 1077 ميلادية.
صراحة مثل هذه الجماعات المارقة لابد من تسليط الضوء عليها كى يتعرف المحدثون على أفكارهم الهدامة وشراستهم وكانوا سبباً فى إضعاف الخلافة العباسية والإساءة إلى الإسلام وهو منهم براء.
وأخيراً:
> شكراً لكل صناع مسلسل الحشاشين.. اتقنوا وابدعوا.
> أيام ويودعنا شهر رمضان الكريم.. أعاده الله علينا كمسلمين باليمن والبركات.