** بقلب دامع وعين باكية.. اتصل بى من الإمارات الابن الغالى محمد نادى حاملا الخبر الأليم.. ناعيا صديقنا الغالى محمد أبو كريشة.. حكيم الصحافة.. بليغ الحكمة.. عف اللسان.. ناسك ديسك الجمهورية الذى انتقل إلى رحمة الله تعالى بعد كفاح شجاع ضد المرض وكانت شجاعته سندا قويا ساعد الأطباء على صناعة المعجزة وفعل ذلك لأنه لا يحيد أبدا عن حلمه المفضل واختياره الوحيد: الصحافة.. مهنة البحث عن المتاعب.. التى حملها حلما منذ قدم من بلده سوهاج.. نبع الحضارة المصرية القديمة.. حاملا شهادة تفوق فى الثانوية العامة.. آملا الالتحاق بأول دفعة فى كلية الإعلام جامعة القاهرة.. وكان له ما أراد.
** جاء مسلحا بعلوم ومعارف غير التى أجتاز بها امتحان الثانوية العامة منها العلوم الشرعية وعلوم اللغة ونهل من الشعر العربى الأصيل الكثير وكانت لغته العربية سليمة مبهرة.. فصحى سهلة أبهرت حتى الأساتذة.. وكانت وعزيمته جواز المرور للالتحاق بالصحافة التى أحبها وبالفعل اكتشف مواهبه وقدراته الأستاذ محسن محمد فأسند له الكثير من المهام التى أداها باقتدار.. وتعلم وعلم الكثير.. وصعد فى سلم المهنة بسرعة محسوبة.. سعت إليه الترقيات والمناصب ولم يسع هو إلى شيء منها أبدا.. إلى أن وصل لمنصب مدير عام التحرير.. وصنع لنفسه مكانة متميزة بين كتاب الرأى وكان يكتب فى مقال الأربعاء وأفسحت له مجلة حريتى الغراء الصفحة الأخيرة منها فى كل عدد وكان ما خط قلمه نموذجا للعطاء والوطنية والانتماء وقول الصدق بدون غرض أو تشهير.
**اجتمع حوله تلاميذ المهنة الذين وجدوا فيه أستاذا قديرا على خلق.. مكتشفا للجواهر.. مساندا للمواهب.. وصلت سمعته إلى الدول العربية فتعاقدت معه كبرى صحف الإمارات ليشرف على تطويرها واختار معه نخبة من الشباب اعتبروها مهمة وطنية أدوها على خير ما يرام.
** وعندما عاد إلى بيته الجمهورية وبعد سن التقاعد.. كان طبيعيا أن يظل متمسكا بالعمل فى الجريدة التى صنعت اسمه ونمت فيها مواهبه وكما كان متوقعا أختار الديسك موطنا للاستمرار والعطاء وممارسة هوايته فى الكرم البالغ مع من يريد استشارة او مساعدة او معلومة او حلا لمشكلة.
** عملت معه لسنوات طويلة عندما كنت مسئولا عن ديسك الجريدة ووجدت فيه نعم السند والرجل المحترم الذى لا يبخل على أحد بالخبرة والمشورة والعطاء.. أثناء العمل كان جادا صامتا لا يتحدث مع احد.. ينصرف إلى عمله بكل حرفية ليصنع من الفسيخ شربات وهو دائما الجاهز عند الطوارئ وأصبح رجل المهام الصعبة باقتدار وتعرف على كبر على الفيس بوك فكانت صفحته منبعا للحكمة وأقوال كثيرة أبدعها قلمه وعقله المنير ولاقت استجابات متواصلة من المتابعين وكنا نحن متابعوه لا نملك إلا ان نقول بعد كل زيارة لصفحته « حقا إنك الصحفى الفيلسوف».
** ولكن جاء اليوم المحتوم للرحيل وغادرنا الإنسان النبيل والفارس القدير محمد أبوكريشة إلى رحاب الله فى يوم مبارك من أيام رجب العظيم.. غادرنا بعد وعكة صحية عاناها بمفرده ولم يشأ أن يزعج أحدا بأخباره.. فقد كان حريصا طول عمره على إخفاء الآلام ونشر السعادة بين الجميع.
**فقدت الصحافة المصرية حكيما وفارسا وأستاذا لا يعوض.. استودعناه لدى الإله العظيم سائلينه سبحانه وتعالى أن يجازيه خيرا وينعم عليه بالجنة مع الصديقين والشهداء وأن يلهم زملاءه وأصدقاءه ومحبيه وعائلة أبو كريشة وعائلته الصغيرة الصبر والسلوان.. وأن يوفق الأجيال للانتفاع بما تركه خلفه من علم وخبرات.. كنوز لا تعوض ومتاحة للصابرين المجدين.