تمر الأيام ويقترب شهر رمضان على الرحيل ويزداد سفك دماء الشعب الفلسطينى وأسر رجالهم وشبابهم وأطفالهم ليس فى قطاع غزة فقط الذى يعانى الجوع والعطش بعد شح الماء والطعام بل فى مدن وقرى والمخيمات الفلسطينية فى الضفة الغربية التى تعانى أيضا ما يحدث وتنقله فضائيات العالم يؤكد ارتكاب الاحتلال الإبادة الجماعية وفقا للمخطط الصهيونى الذى تؤكده تصريحات أعضاء حكومة الكيان من المتشددين على أسس دينية وتباعد صفقات تبادل الأسرى ووقف اطلاق النار وعودة سكان شمال غزة لمناطقهم رغم تدميرها.
يساعد على استمرار الاحتلال فى عمليات الإبادة الجماعية وتدمير القطاع أنه منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة والأهداف والثوابت الأمريكية واضحة بالاستمرار فى التركيز على مصالح الأمن القومى الأمريكى المعرضة للخطر فى الشرق الاوسط وضمان أن تظل إسرائيل واثقة من أنها تحظى بدعم قوى من أمريكا والحلفاء الغربيين لكل من دولتى الاحتلال وأمريكا بشأن حقها فى الدفاع عن نفسها واتخاذ الإجراءات ضد من يمثل تهديدا لها وتقويض الجهود لكبح جماح استخدام إسرائيل للقوة فى غزة والاستعداد لعملية اجتياح رفح والاصرار على عدم وقف اطلاق النار لضمان أن تنهى إسرائيل الحرب وقد استطاعت الحد من قدرات المقاومة الفلسطينية لتخرج من الحرب وهى صاحبة اليد العليا وضمان أن ما بعد الحرب يختلف عما سبقها مع استمرار الالتزام بتقديم المساعدات لتعزيز قدرات الاحتلال لتحقيق أهدافه من الحرب لذا لا يجب التوقف أمام ما يقال عن وجود خلافات بين الطرفين أمريكا وإسرائيل ولا يجب أيضا التوقف عند عدم استخدام أمريكا حق النقض ضد قرار مجلس الأمن الاخير بوقف القتال وفق الفصل السادس وليس الفصل السابع الذى يتضمن آلية تنفيذ القرار بالقوة العسكرية.
رغم كل ما تقدمه أمريكا لحليفتها إلا أنها تسعى لاحتواء الصراع ومنع تحوله لحرب إقليمية واسعة لتقليل خطر تورط القوات الأمريكية بشكل مباشر فى القتال وأن كان يحدث فى الخفاء على أرض فلسطين وفى العلن فى مياة البحار إلا أن الخشية نابعة من مخاطر تهدد مصالح أمريكا فى المنطقة ولم يمنع هذا من تعزيز القدرات العسكرية الإسرائيلية لمواجهة الجبهات المتعددة ورغم ضبط النفس لعدم التورط فى حرب واسعة فى منطقتنا إلا أن هذا لم يمنع من توجيه ضربات أمريكية للعديد من المواقع بزعم ارتباطها بقوى إقليمية معادية لإسرائيل وأمريكا.
رغم محاولات أمريكا السير على الحبل والحرص على عدم السقوط إلا أنها تواجه نزيفاً فى مصداقيتها الذى يعتبر تهديدا وتحديا لقيادتها النظام الدولى بعد ما تضمنت مقدمة استراتيجية الامن القومى المعلنة أن النظام القائم على القواعد يجب أن يظل الأساس للسلام العالمى وأن بناء تحالف لهذا النظام يتطلب التمسك بالمباديء التأسيسية للأمم المتحدة بما فى ذلك القانون الدولى الذى يضرب فى مقتل من قبل أمريكا ومن يسير فى ركابها من الدول الغربية وحليفتها إسرائيل وتتوقف الدعم المادى لأهم مؤسسة تساعد الشعب الفلسطينى وهى الأونروا.
فالدعم غير المشروط لإسرائيل يضع القيادة الأمريكية للنظام الدولى على المحك إذ إن ما ترتكبه إسرائيل من هجمات انتهاك صريح للقانون الدولى الانسانى فالانحياز أضعف قدرة واشنطن فى حشد الدعم لمواقفها وبدأ ذلك فيما يخص أوكرانيا وفقدان شعبيتها فى دول الجنوب بعد أن اتخذت كل من الصين وروسيا منحى مختلفا منذ بداية الحرب على غزة إذا كان المنطق يقول على أمريكا أن تهتم بمنطقة الشرق الاوسط لأسباب أهمها الموارد والجغرافيا التى تؤثر على المنافسة العالمية ولكن هذه الحرب على غزة التى تعتبر أطول حرب تخوضها إسرائيل ليس مع جيوش دول المنطقة بل مع فصائل مقاومة لا تمتلك ترسانة سلاح ولا إمكانيات مادية إلا أنها رغم الدمار والخسائر فى الارواح حققت إعادة القضية الفلسطينية إلى قمة الاجندة الدولية وضرورة ايجاد حل لها وفقا الشرعية الدولية وايجاد أدوار لقوى دولية أخرى بعد فشل أمريكا فى إدارة الصراع.