كلما زادت أعداد المشاهدات زادت فرص تحقيق الأرباح
فى عصر السوشيال ميديا، لم تعد الوظائف تقتصر على المؤهلات أو الخبرات، بل باتت بعض المهن تظهر فجأة دون حاجة لأى مقومات علمية أو مهنية، مستفيدة من تأثير المنصات الرقمية فى تشكيل الرأى العام, ومن بين هذه الظواهر الحديثة، مهنة «الفود بلوجر»، التى تحولت من استعراض تجارب تناول الطعام إلى سلاح للابتزاز والضغط على أصحاب المطاعم.
فى الأصل، كان «الفود بلوجر» مجرد شخص يستمتع بتجربة الأطعمة المختلفة، ويوثق تجربته عبر الإنترنت لمشاركة رأيه مع متابعيه، ولكن مع انتشار هذه الظاهرة وتحقيق بعض المدونين أرباحًا هائلة، بدأ البعض فى استغلالها بطرق غير نزيهة، حيث تحولت من مجرد توصيات غذائية إلى أداة ضغط على المطاعم، إما بالدعاية الإيجابية مقابل المال أو التهديد بحملات تشويه إذا لم يدفع صاحب المطعم «المعلوم».
ولم يعد الأمر مقتصرا على أشخاص لديهم خبرة فى الطهى أو تقييم الأطعمة، بل باتت المهنة مفتوحة لأى شخص يمتلك هاتفًا وكاميرا، سواء كان فأصبح أى شخص دون عمل قرر أن يكون ناقدا غذائيا لمجرد امتلاكه عددًا كبيرا من المتابعين، بل إن هناك من اصطحب زوجته وابنته فى جولات على المطاعم، فارض نفسه على أصحابها بالقوة، ليتحول الأمر إلى «فاميليبلوجر»، حيث تتولى العائلة بأكملها عملية الابتزاز تحت ستار التقييم العائلى، ولو قبض المعلوم يبقى الأكل « جوسى» ولو العكس يبقى الأكل «زفر»
ولم يتوقف الأمر عند مجرد التقييم، بل أصبح يعتمد على أساليب أكثر إثارة، مثل افتعال المشاكل داخل المطاعم، ثم بث مقاطع مباشرة عبر تيك توك وفيسبوك لكسب تعاطف الجمهور وإثارة الجدل، فكلما زادت أعداد المشاهدات، زادت فرص تحقيق الأرباح من الإعلانات والترويج المدفوع، أصبح «الردح الإلكترونى» وسيلة فعالة لجذب الانتباه، حيث يتعمد بعض البلوجرز خلق مشاجرات مفتعلة ثم تقديم أنفسهم كضحايا، ليحققوا المزيد من الشهرة والنفوذ الرقمى.
وبات صاحب المطعم فى موقف صعب، فإما أن يدفع أموالا لضمان دعاية إيجابية، أو يواجه حملات تشويه قد تؤثر على سمعته وتجارته، ورغم أن البعض يحاول المقاومة، إلا أن التأثير الكبير لهذه الفئة على مواقع التواصل يجعل المواجهة صعبة، خاصة فى ظل غياب الرقابة والتشريعات التى تحمى الأنشطة التجارية من هذا النوع من الابتزاز الناعم.
وللحد من هذه الظاهرة، يجب على الجمهور أن يكون أكثر وعيا فى التعامل مع هذه التقييمات، وألا ينخدع بالمحتوى المثير للجدل، كما أن أصحاب المطاعم بحاجة إلى آليات قانونية لحماية أنفسهم من الابتزاز الرقمى، مع ضرورة تدخل الجهات المعنية لوضع قوانين تنظم عملية التقييم الغذائى عبر الإنترنت.
فى النهاية يبقى السؤال هل ستظل هذه المهنة مستمرة فى استغلال قوتها الرقمية، أم سيأتى يوم تنتهى فيه «موضة» الفود بلوجرز غير المؤهلين، ويعود التقييم للطعام إلى مختصين حقيقيين؟، وما هى الآلية المتبعة لحساب تلك الفئة التى حققت أرباحاً طائلة من وراء هذا الابتزاز وتحول أصحابها الى»مليونيرات» وأصحاب مطاعم فاخرة ومشروعات وأرصدة متضخمة فى البنوك من جراء الهوجة الإلكترونية واستغلال اعداد المتابعين على صفحات التواصل الاجتماعى دون تحمل أى أعباء أو ضرائب.. والله من وراء القصد.