«القاهرة» قادرة على صناعة السلام فى المنطقة..والوسيط الأكثر قوة وفاعلية

لطالما لعبت مصر دورًا رئيسيًا ومحوريًا فى دعم القضية الفلسطينية، وهو الدور الذى لم يتوقف عند حدود التصريحات أو المواقف الدبلوماسية العامة، بل امتد ليشمل خطوات عملية وميدانية على الأرض، وتعزيزًا مستمرًا للجهود الدولية الرامية إلى تحقيق سلام عادل ومستدام فى الشرق الأوسط، ورغم المحاولات الأخيرة التى سعت إلى التقليل من شأن الدور المصرى فى أزمة قطاع غزة الأخيرة، فإن هذه المحاولات لم تفلح سوى فى تسليط مزيد من الضوء على مدى أهمية ومحورية الدور المصري، وهو الأمر الذى يزداد وضوحًا مع كل أزمة تمر بها المنطقة.
تعد مصر أول دولة عربية قامت بتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979، وهى الاتفاقية التى فتحت المجال أمام القاهرة لتتبوأ مكانة وسيط موثوق بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي. ومنذ ذلك التاريخ، استطاعت مصر أن تُوازن بين الحفاظ على مبادئها الداعمة للقضية الفلسطينية والعمل على تأمين حقوق الشعب الفلسطيني، وفى نفس الوقت الحفاظ على علاقات دولية وإقليمية تضمن لها قدرة كبيرة على المناورة والتفاوض.
وخلال العقود الماضية، كانت مصر دائمًا فى مقدمة الدول التى تتحرك لوقف النزاعات المسلحة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وتقوم بجهود ضخمة لتوحيد الصف الفلسطيني، من خلال محاولات مستمرة لتحقيق المصالحة بين حركتى فتح وحماس، والعمل على إنهاء حالة الانقسام الفلسطينى الداخلى التى أثرت سلبًا على القضية الفلسطينية بشكل عام.
كما ان العالم كله شهد كيف تحركت مصر وقيادتها السياسية فى سبيل التوصل إلى اتفاق وقف اطلاق النار وتحقيق الهدنة التى تمنع التصعيد فى المنطقة، فمصر دورها هو الأكثر تأثيرا فى هذا الملف.
ولطالما أكد الأزهر الشريف، منبر الوسطية والتسامح فى العالم الإسلامى موقفه الثابت والراسخ تجاه القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية مركزية للمسلمين والعرب. فالأزهر، بقيادة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، كان دائمًا داعمًا لحقوق الشعب الفلسطيني، مطالبًا المجتمع الدولى بالتحرك الجاد لنصرة فلسطين وشعبها.
وخلال الأزمة الأخيرة التى شهدها قطاع غزة، جدد الأزهر الشريف دعوته إلى وقف فورى لإطلاق النار، وفتح معابر إنسانية لتوصيل المساعدات، داعيًا إلى احترام كرامة الإنسان الفلسطيني، مؤكدًا أن نصرة الشعب الفلسطينى واجب دينى وإنسانى على الجميع.
وبالمثل، كانت دار الإفتاء المصرية، بقيادة فضيلة مفتى الجمهورية د. نظير محمد عياد حاضرة بقوة فى المشهد الفلسطيني، حيث أصدرت بيانات متعددة تؤكد فيها شرعية المطالب الفلسطينية وأهمية السلام القائم على العدالة والكرامة الإنسانية، وفتحت قنوات للفتوى والتوعية تؤكد من خلالها أن القضية الفلسطينية هى قضية كل مسلم وكل عربي.
ومع اشتداد الأزمة الأخيرة فى قطاع غزة، وتفاقم الأوضاع الإنسانية، بادرت مصر إلى اتخاذ خطوات حاسمة وسريعة على الصعيدين الدبلوماسى والإنساني. ولعل أبرز هذه الجهود كان فتح معبر رفح الحدودي، والذى شكّل شريان الحياة الوحيد لأهالى قطاع غزة، حيث استقبلت مصر المساعدات الدولية وأشرفت على دخولها القطاع بشكل منظم ومنسق.
وفى الوقت نفسه، قادت الدبلوماسية المصرية جهودًا مكثفة من أجل وقف إطلاق النار، وعملت على عقد اجتماعات متواصلة مع الأطراف المعنية، بمن فيهم قادة من حركة حماس ومسئولون إسرائيليون، وذلك بهدف التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد تمنع تكرار هذه الأزمات وتحد من معاناة الشعب الفلسطيني.
وقد حظيت جهود مصر الدبلوماسية طوال السنوات الماضية بتأييد ودعم دولى واسع، حيث اعترفت الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وروسيا والصين بأهمية الدور المصرى ومحوريته، معتبرة إياه أساسيًا لأى تسوية حقيقية وفاعلة للقضية الفلسطينية. وقد أكدت هذه الدول مرارًا وتكرارًا ضرورة دعم جهود مصر وتقدير الدور الذى تلعبه فى الحفاظ على الاستقرار وتسهيل الحوار، وهذا الدعم الدولى ليس مجرد اعتراف شكلي، بل هو انعكاس حقيقى لإيمان العالم بقدرة مصر على التعامل مع هذا الملف الحساس بكفاءة وحنكة دبلوماسية، وهو ما أعطى جهود القاهرة زخمًا كبيرًا مكّنها من الاستمرار فى تحقيق النجاحات رغم التحديات العديدة التى تواجه المنطقة وتأكدت حيوية وأهمية الدور المصرى مع الأزمة الأخيرة والحرب التى شنتها اسرائيل ضد غزة.
وفى ظل هذه المعطيات، تبقى مصر الرقم الصعب فى معادلة السلام الفلسطينى الإسرائيلي. فالقاهرة ليست فقط طرفًا قادرًا على الوساطة، بل هى أيضًا عامل أساسى لتحقيق الاستقرار الإقليمى وضمان عدم تفجر الأوضاع مرة أخري، وهو ما يؤكد عليه جميع المعنيين الدوليين والإقليميين.
ومن المؤكد أن استمرار الدور المصرى يحتاج إلى دعم عربى ودولى أكبر، بالإضافة إلى مزيد من التعاون من قبل الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية لتحقيق تسوية شاملة وعادلة. ومهما كانت محاولات التشويه، فإن الحقائق على الأرض تؤكد دائمًا أن مصر الدولة القادرة على صناعة السلام فى المنطقة وستبقى هى الوسيط الأكثر ثقة وفاعلية.
خلاصة القول
تظل مصر، بتاريخها الطويل وموقعها الجغرافى وقدرتها الدبلوماسية المتميزة، هى حجر الزاوية فى أى محاولة جادة لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط.