العلم والعقل بنى عليهما الإسلام أمره منذ أول كلمة فيه، وجعلهما مناط تكاليفه كلها –كبيرة كانت أو صغيرة –ورغم هذا فإنه أوشك أن يُخْلَيَ مكانهما فى حياتنا المُعاصرة إلى أخلاط من ظنون وأوهام وتخيلات، استبدت –أو كادت–تستبد بالعقول، وتؤثِّر على مجتمعاتنا سلبًا وارتيابًا وشكوكًا، بل تُؤثِّر على استقرار الشعوب وتماسكها الذى هو الشرط الأساسى فى نهضة الدول ونمائها وتقدمها.. ومِمَّا يُتألَّمُ له أشد الألم أن صارت الظنون والأهواء هى فيصل التفرقة فى التعرُّف على الحقِّ والباطل، والخطأ والصواب، وأصبح اللَّبس الذى تثمره هذه الظنون هو الحق الذى لا حقَّ سواه، حتى صار المتمسك بمعيار العقل والمستضيء بمنطقه وعلومه، يشعُر بغربةٍ مُوحِشَةٍ من شدَّةِ ما يتناثر على طريقِ الحقِّ من أغاليطٍ ملتوية وشبهات مظلمة وتعميمات كاسحة لو خُلِّى بينها وبين نور الدَّليل وسطوع البُرهان لانمحق زيفها وبَهْرَجها وانقطع ضجيج حناجر الصارخين بها، وقد صدقت الحكمة التى تقول: «إنما بقاء الباطل فى غفلة الحق عنه، ولله دَرُّ الإمام الغزالى فى كتابه: «فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة» حين قال: لو سكت من لا يدرى لقلَّ الخلاف بين الخلق، والقرآن الكريم يؤكد على هذه الحقيقة حين يأمر بسؤال أهل الذكر فى الأمور التى تخفى على الناس ولا يعلم حقيقتها إلا العارفون بها، وذلك فى قوله تعالي: «فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»، وفى موطن آخر ينهى عن تحكيمِ الظَّنِّ « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»، وقد حذَّر النبى «صلى الله عليه وسلم» أمته من أن يتخذوا الظَّنِّ معيارًا يتعرَّفون به على حقائق الأشياء، ويُصدرون أحكامهم عليها، وكأنه الحق الذى لا حقَّ غيره، فقال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ»، وأخطر ما يتكشَّف عنه هذا المنهج المغلوط هو شيوع الشحناء والبغضاء والتخوين آفة الآفات فى إيغار الصدور، وتجرُّع مرارة الآلام.