أواصل الحديث عن الإستراتيحية الوطنية للتصنيع . وأتحدث اليوم عن عملية توطين صناعة عربات السكك الحديدية طبقا لرؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي. والتى نفذها بجدارة الفريق كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصناعة والنقل.
تصنيع مصر لعربات السكك الحديدية خطوة نحو الاكتفاء الذاتى والتنمية الشاملة.
ويمثل قرار مصر بتوطين صناعة عربات السكك الحديدية نقلة نوعية وهامة فى مسيرة التنمية الصناعية والاقتصادية للبلاد. لم يعد الأمر مجرد تجميع أو استيراد. بل أصبح هدفاً إستراتيجياً يرمى إلى بناء قاعدة صناعية متينة فى هذا القطاع الحيوي. تلبية الاحتياجات المحلية المتزايدة. وتقليل الاعتماد على الخارج. وفتح آفاق جديدة للتصدير والمساهمة فى دفع عجلة الاقتصاد الوطني. هذه الخطوة الطموحة ليست وليدة اللحظة. بل هى تتويج لجهود متراكمة وإدراك لأهمية قطاع النقل بالسكك الحديدية فى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
وتاريخياً شهدت مصر محاولات لتصنيع مكونات السكك الحديدية. إلا أن التوجه نحو تصنيع عربات كاملة يمثل مرحلة أكثر تقدماً وشمولية. تأسست شركة «سيماف» فى عام 1955 بالتعاون مع شركة بلجيكية بهدف تغطية احتياجات مصر والمنطقة وأفريقيا فى مجال السكك الحديدية. بما فى ذلك عربات الركاب والمترو والترام وعربات الشحن. وفى عام 2004. أصبحت «سيماف» إحدى شركات الهيئة العربية للتصنيع. لتظل المصنع الوحيد فى مصر والشرق الأوسط المتخصص فى هذا المجال. ومع ذلك فإن الطموحات الحالية تتجاوز القدرات الإنتاجية الحالية. مما استدعى تبنى إستراتيجية جديدة تهدف إلى توسيع نطاق التصنيع المحلى وتعزيزه.
تأتى أهمية تصنيع عربات السكك الحديدية فى مصر من عدة جوانب إستراتيجية واقتصادية واجتماعية. على الصعيد الإستراتيجى يعزز هذا التوجه من الأمن القومى المصرى من خلال تأمين احتياجات البلاد من وسائل النقل الحيوية وتقليل التبعية للخارج فى قطاع بالغ الأهمية. كما يمنح مصر ميزة تنافسية إقليمية باعتبارها مركزاً صناعياً متقدماً فى مجال النقل بالسكك الحديدية. اقتصادياً. يساهم توطين هذه الصناعة فى توفير العملة الصعبة التى كانت تُنفق على الاستيراد. كما يخلق فرص عمل جديدة ومستدامة للشباب المصرى فى مختلف التخصصات الهندسية والفنية. بالإضافة إلى ذلك. يعمل على تنمية الصناعات المغذية والصغيرة والمتوسطة المرتبطة بصناعة عربات السكك الحديدية. مما يخلق حلقة متكاملة تدعم الاقتصاد الوطني. ويساهم تطوير قطاع النقل بالسكك الحديدية وتوفير عربات حديثة وآمنة فى تحسين جودة حياة المواطنين وتسهيل حركة تنقلهم. مما ينعكس إيجاباً على الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
تشهد الفترة الحالية خطوات حثيثة نحو تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي. يجرى إنشاء مصنع جديد فى شرق بورسعيد على مساحة 300 ألف متر مربع. ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج فى منتصف هذا العام. يهدف هذا المصنع إلى إنتاج قطارات عالية الجودة. وعربات مترو. ومونوريل. وفقاً للمعايير الدولية. كما سيشمل تطوير قدرات صيانة وإصلاح الأسطول الحالى من الوحدات المتحركة. بالإضافة إلى ذلك تم الانتهاء من المرحلة الأولى من تطوير ورش كوم أبو راضي. والتى تشمل إنشاء مصنع على مساحة 3000 متر مربع لتصنيع المكونات الداخلية للوحدات المتحركة. بما فى ذلك القاطرات والقطارات ومركبات النقل العام التى تحتاج إلى تجديد وتحديث. وقد شهدت هذه الورش بالفعل إنتاج أولى المكونات الداخلية لعربات النوم. وتلعب الشراكات المحلية والدولية دوراً محورياً فى إنجاح هذا المشروع الطموح. فقد تم توقيع بروتوكول تعاون بين مصنع سيماف والشركة المصرية لصناعات السكك الحديدية لإنتاج قطارات سكك حديدية ومترو متطورة لتلبية الاحتياجات المحلية والتصدير إلى الأسواق الأفريقية والعربية. كما تتعاون شركة NERIC مع شركة هيونداى روتيم الكورية الجنوبية فى إنشاء مصنع شرق بورسعيد. حيث ستساهم الخبرة الكورية فى نقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر المصرية. وقد تم توقيع اتفاقية تمويل مشتركة بين NERIC والبنك الأهلى المصرى والبنك التجارى الدولى والبنك العربى الأفريقى الدولى لدعم هذا المشروع الضخم.
على الرغم من التفاؤل الكبير. لا يخلو طريق توطين صناعة عربات السكك الحديدية فى مصر من تحديات. من بين هذه التحديات الحاجة إلى تطوير البنية التحتية الصناعية وتوفير المواد الخام عالية الجودة بأسعار تنافسية. كما يتطلب الأمر استثماراً كبيراً فى تدريب وتأهيل الكوادر الفنية والهندسية المصرية على أحدث التقنيات فى هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك. يجب العمل على تطوير معايير الجودة والسلامة المحلية بما يتماشى مع المعايير الدولية لضمان القدرة التنافسية للمنتجات المصرية فى الأسواق العالمية. كما أن ضمان استدامة عمليات الصيانة وتوفير قطع الغيار اللازمة يمثل تحدياً آخر يجب التغلب عليه.
إلا أن الحكومة المصرية تولى اهتماماً كبيراً بتذليل هذه العقبات وتهيئة المناخ الاستثمارى الجاذب لتوطين الصناعات المختلفة.