رمضان شهر الصبر، والصبر حبس النفس على الطاعة حتى تؤدى على وجهها الأكمل، وحبسها عن المعصية حتى تجتنب، وحبسها عن الجزع والسخط عند الاختبار والابتلاء، يقول الحق سبحانه :»يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».
وإذا كان الأمر متصلا بحبس النفس عند المصيبة عن الجزع سمى صبراً، وإن كان حبسا لها فى ساحة القتال عن الجبن أو الفرار أو الخذلان سمى شجاعة.
وجزاء الصابرين عظيم، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، ويقول سبحانه: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، ويقول سبحانه : إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ، ويقول سبحانه: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : عَجَباً لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): إِنَّ عِظَمَ الْجزاءِ مَعَ عِظَمِ الْبلاءِ، وإِنَّ اللَّه تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوماً ابتلاهُمْ، فَمنْ رضِيَ فلَهُ الرضَا، ومَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): مَا يَزَال الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمؤمِنَةِ فى نَفْسِهِ وَولَدِهِ ومَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّه تَعَالَى وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): مَا يُصِيبُ الْمُسْلِم مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه.
أما المصابرة فهى مفاعلة بين طرفين، فحينما تكون حبساً للنفس على الطاعة أو عدم المعصية فهى مصارعة مع النفس أو الشيطان، أى واجهوا صبر الشيطان على إغوائكم بصبر على طاعة الله، واجتناب معصيته يغلب صبر الشيطان على الإغواء.
وحينما تكون المصابرة فى مواجهة العدو، يكون المعني: واجهوا صبر عدوكم على قتالكم أو الكيد لكم أو المكر بكم بصبر يغلب صبره، فلا يكون أعداؤكم أصبر على باطلهم منكم على حقكم، والحق سبحانه وتعالى يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، ويقول سبحانه: «وَلَا تَهِنُوا فِى ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً».