على الرغم من حملات التوعية والتنبيه والتحذير التى تقوم بها بصفة مستمرة أجهزة الأمن المصرية وكذلك المتخصصون فى مجال التعامل مع شبكات الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعى بهدف مكافحة الجرائم الاليكترونية التى تتم من خلالها الا اننا نشهد على فترات متفاوتة وقوع العديد من محاولات النصب والابتزاز التى يتعرض لها المواطنون باستخدام أساليب مختلفة ومبتكرة لإقناعهم بالاشتراك فى تلك المنصات والمواقع لاستثمار أموالهم فى مشروعات يتم الترويج لها بشكل يغرى هؤلاء المواطنين على المشاركة بأموالهم بهدف تحقيق عوائد مالية سريعة دون بذل عناء أو مجهود.. بل أن البعض منهم يسعى الى اقناع غيره للمشاركة أيضاً بهدف الحصول على عمولة من القائمين على تلك المنصات تضاف الى أرباحه.
فى الماضى كانت عمليات النصب تستهدف البسطاء من أبناء الشعب خاصة فى المحافظات الاقليمية مستغلة فى ذلك الجهل وقلة الوعى.. أما اليوم فان الضحية يتعرض للنصب من خلال هاتفه المحمول حيث يدخل على منصة اليكترونية ويقوم بتحميل تطبيق على الهاتف ويتفاعل مع الخطوات المطلوبة ويقوم بعد ذلك بتحويل أمواله الى هذا الحساب ويتسلم من خلاله أيضاً أرباحاً شهرية أو يومية الى أن يتم احكام السيطرة عليه ووقوعه فى فخ وهمية تلك المنصات ويفاجأ بأنها قد أغلقت فجأة بعد أن وضع فيها أمواله وأحياناً أموال عائلته بالكامل.. وأقصد هنا أن الضحايا لم يعودوا من الجهلاء بل من المتعلمين والذين لديهم قدر كبير من العلم والمعرفة بأساليب استخدام شبكات التواصل الاجتماعى وهذا ما يفسر أنه فى آخر عمليات الاحتيال الإليكترونى كان هناك العديد من المهندسين والأطباء والمدرسين وقعوا ضحايا أحدث تلك الجرائم.
بين ليلة وضحاها.. أستيقظ رواد مواقع التواصل الاجتماعى على خبر اغلاق منصة اليكترونية والتى تبين أنها تعمل على تطبيق يهدف الى جمع أموال من مشتركيه بعدما أوهمهم باستثمارها وصرف أرباح لهم وسرعان ما نجحت أجهزة الأمن وخلال أقل من 48 ساعة فى ضبط أحدث وأخطر التشكيلات العصابية الاليكترونية التى اجتاحت شبكات الانترنت بعدما ابتكرت أسلوباً خبيثاً فى النصب والاحتيال على المواطنين عبر منصة اليكترونية تحمل اسم «FBC» أسسها مصريون وأجانب للنصب على الضحايا.. وامعاناً فى تأكيد مصداقية تلك المنصة قام القائمون عليها بتنظيم احتفالات ومواعيد عشاء عمل فى عدة قاعات فاخرة لجذب أكبر عدد من العملاء والذين تحولوا بعد ذلك الى ضحايا حيث قدموا لهم عروضاً مغرية ووعدوهم بأرباح ضخمة وسريعة للربح وهو الأمر الذى دفع الآلاف من المواطنين الى المشاركة فى تلك المنصة خاصة وأن المبالغ الأولية التى كانت مطلوبة للمشاركة لا تتعدى 12 الف جنيه تحقق ربحاً يومياً يصل الى 400 جنيه وبالطبع كان الضحية يرفض سحب تلك الفائدة طمعاً فى تحقيق مكاسب أكبر ومن بين الضحايا من حصل على قروض من البنوك ومن باع سيارته أملاً فى تحقيق المزيد من الفوائد ليفاجأوا بفاجعة خسارة أموالهم بعدما تم غلق المنصة وحبست أموالهم فى حساباتهم لتصبح رقماً فى تطبيق ليس له أى قيمة.
تعاملت الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية سريعاً مع الموقف بعد تعدد البلاغات ضد منصة FBC حيث تمكنت من كشف النقاب عن تشكيل عصابى يتزعمه 3 أجانب من دولتين فى جنوب شرق آسيا بالاضافة الى 13 مصرياً وتم القبض عليهم جميعاً حيث عثر بحيازتهم على جهاز حاسوب محمول و1135 شريحة هاتف محمول ومبلغ مليون و270 الف جنيه كما كشفت عن أن هذا التشكيل مرتبط بشبكة اجرامية بالخارج متخصصة فى مجال النصب والاحتيال الإليكترونى كما قاموا بتأسيس شركة فى القاهرة لممارسة نشاطهم الاجرامى والترويج للمنصة عبر وسائل التواصل الاجتماعى وتطبيق واتس -آب مقابل عمولات مالية وكذا توفير خطوط هواتف محمولة لتفعيل محافظ اليكترونية عليها بيانات وهمية استخدامها فى تلقى وتحويل المبالغ المستولى عليها وعقب ذلك تم غلق المنصة ومقر الشركة حيث بلغت المبالغ المالية الواردة فى بلاغات المجنى عليهم حوالى 2.5 مليون جنيه.
هنا يجب فى البداية الاشادة بدور أجهزة الأمن التى تمكنت من ضبط هذا التشكيل العصابى خلال فترة زمنية وجيزة وهو الأمر الذى يشير الى أن وزارة الداخلية قد وضعت فى خطتها التأمينية توقعات بزيادة مثل تلك الجرائم التى تستخدم آليات وأساليب احتيالية اليكترونية حديثة حيث تم تدعيم قطاع مكافحة تلك الجرائم بأحدث التقنيات وأعلى درجات التدريب للضباط العاملين بها لمنع وقوع مثل هذه الجرائم وضبط مرتكبيها خاصة مع تزايدها فى الآونة الأخيرة مستغلة فى ذلك أحلام الثراء أو على الأقل المساعدة فى تكاليف الحياة التى أصبحت تمثل عبئاً على الأسر المصرية البسيطة.
وعلى الرغم من هذه الأسباب التى قد نجد ما يبررها للمواطن البسيط والذى يجب أن يكون هدفاً لنا وللأجهزة المعنية فى احتضانه وتوعيته بخطورة التعامل مع مثل هذه التطبيقات مهما كانت المغريات خاصة اذا كانت العروض المالية غير منطقية وتمثل فى الغالب فخاً منصوباً له وكذلك بالنسبة للباحثين عن الثراء من المثقفين والمتعلمين بتوعيتهم بعدم معقولية أن يتم ذلك من خلال منصات مجهولة الهوية سرعان ما يستولى عن أموالهم وتحطم أحلامهم التى يحاولون تحقيقها دون بذل عناء أو عمل أو جهد.
لن تكون تلك الجريمة هى الأخيرة فى مجال الاحتيال الإليكترونى وعلينا أن نعمل على تكثيف ندوات التوعية وكذلك تضمين الخطاب الدينى فى المساجد والكنائس رسائل توعوية فى هذا الاطار خاصة أن دار الافتاء المصرية قد أصدرت العديد من البيانات التى تحذر من الانسياق وراء الاعلانات المضللة والوعود الزائفة بالثراء السريع التى تروجها بعض الجهات تحت مسميات الاستثمار فى مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى وعدم الاستثمار أو ايداع الأموال الا من خلال الأطر الشرعية والقانونية التى تنظمها وتعتمدها الدولة.