ماسبيرو ..
مركزًا لصناعة الوعى
يتجدد الاحتفال بعيد الإعلاميين كل عام، وفى هذا العام نحتفل بالذكرى الـ91 لانطلاق أول بث إذاعى رسمى من القاهرة عام 1934.. ليس مجرد تاريخ يُروى، بل لحظة فارقة غيَّرت مسار الوعى الجمعى فى مصر والعالم العربى.. لحظة ولد فيها «صوت مصر»، ذلك الصوت الذى ظل على مدى تسعة عقود يعبّر عن نبض الشارع، ويواكب المتغيرات، ويقف فى الصفوف الأمامية دفاعًا عن الحقيقة.
91 عامًا مرت على ميلاد الإعلام المصرى، وتحديدًا الإذاعى، وهى المحطة التى مهدت الطــريق لظهــور التلفزيون، الذى بدأ بثه فى 21 يوليو 1960 من مبنى ماسبيرو، ذلك الصرح الذى ظل لعقود طويلة مركزًا لصناعة الوعى وتشكيل الثقافة العامة. اليوم، ومع التحولات التى يشهدها الإعلام العالمى والمحلى، يعود ماسبيرو من جديد بثقة وثبات، ليؤكد أن الريادة لا تتقادم، وأن الأصل يظل أصلًا مهما كثرت المنصات وتعددت الوسائط.
الحديث عن عودة ماسبيرو لا تعنى فقط استعادة البث أو تحديث الشاشات، بل تعنى عودة الدور، والرسالة، والمسئولية.. نحن لا نحيى ذكرى مؤسسة، بل نستدعى ذاكرة وطن بأكمله، عبر شاشات وإذاعات نقلت الحدث، وصنعت الوعى، وقدمت أعظم الأسماء فى كل تخصص: من السياسة والثقافة، إلى الفن والدين، إلى الرياضة والعلوم.
وإذا كان الإعلام مؤسسة، فإن الإعلامى هو قلبها النابض.. وعلى مدار 91 عامًا، قدّم الإعلاميون المصريون نماذج مشرفة فى الالتزام والانتماء والاحتراف ،لم يكن الإعلامى مجرد ناقل للمعلومة، بل صانع رأى، ومثقف شعب، ومدافع عن الحق .. فى وقت الحرب، كان الإعلام سلاحًا، وفى أوقات الأزمات، كان جسرًا للثقة بين الدولة والمجتمع.
اليوم، تتضاعف مسئولية الإعلاميين.. فالعالم أصبح أكثر ضجيجًا، والحقائق صارت فى مرمى التزييف، والشائعات تنتقل عبر ضغطة زر.. فى ظل هذا المناخ، تصبح مهنة الإعلام أعمق من مجرد وظيفة، إنها معركة وعى، تتطلب عقلًا ناقدًا، ورؤية إستراتيجية، وموقفًا وطنيًا واضحًا.
ولا يخفى على أحد ان مصر تعيش ، كما تعيش كل الدول، وسط تحديات معلوماتية ضخمة.. من أبسط الأحداث إلى أكبر القرارات، هناك دائمًا من يسعى لتحريف الحقيقة وبث الفوضى.. لكن التجربة أثبتت أن المواطن المصرى يثق فى إعلامه الرسمى حين يجد فيه المصداقية والوضوح. ولهذا فإن مهمة التصدى للشائعات لم تعد ترفًا، بل ضرورة أمن قومى، والإعلام هو الخط الأول فى هذه المعركة وهذا ما حققته قنوات المتحدة خلال السنوات الماضية وواجهت بحرفية وقوة الاكاديب والشائعات التى استهدفت مصر والان ماسبيرو يعود ليضيف قوة للمواجهة .
ومن هنا، فإن تطوير المحتوى وتحديث الخطاب الإعلامى لم يعد خيارًا، بل واجبًا.. الكاميرا والميكروفون يجب أن يسبقا الشائعة، لا أن يركضا خلفها. والصوت المهنى يجب أن يعلو فوق كل ضجيج. إننا نحتاج إعلاماً يثق فيه المواطن، لا يتعامل معه كناقل للأخبار فحسب، بل كشريك فى فهم الواقع واستشراف المستقبل.
ما يميز الإعلام المصرى اليوم هو المزج بين جيل الخبرة والتاريخ، وجيل الشباب والطموح.. هذه المعادلة إذا أُحسن استثمارها، ستكون القوة الحقيقية لانطلاقة ماسبيروالجديدة.. فجيل العمالقة الذى صنع مجد الإذاعة والتليفزيون لم يرحل، بل يورّث خبرته اليوم لجيل قادر على التعامل مع التكنولوجيا، والسوشيال ميديا، والتحولات السريعة فى الرأى العام.
وها نحن نرى اليوم بوادر صحوة حقيقية داخل ماسبيرو، من خلال تطوير القنوات، واستحداث وحدات إنتاج رقمى، وتدريب الكوادر، وتقديم محتوى جاد وذكى ومواكب.. هى بداية، لكنها تبشر بالكثير، وتؤكد أن البيت الكبير لا يزال قادرًا على العطاء.
فى ذكرى 91 عامًا من الإعلام المصرى، لا نتحدث فقط عن الإذاعة والتلفزيون، بل عن ذاكرة وطن.. عن أغان وطنية بثت لأول مرة من الإذاعة، عن خطاب ناصر فى 67، عن إعلان انتصار أكتوبر، عن مناظرات البرلمان، عن دروس الدين، وبرامج الأطفال، ومسرح التلفزيون، وحتى نشرات الأخبار التى كانت تبث بمهابة تشبه البيان الرسمى.
هذه ليست مجرد مشاهد، إنها تفاصيل شكلت وعى أجيال. واليوم، ونحن نحتفل بعيد الإعلاميين، نضع أعيننا على المستقبل، وقلوبنا متمسكة برسالة إعلام وطنى صادق، واعٍ، شجاع.
كل عام والإعلام المصرى بخير.. وكل عام وماسبيرو منارة الوعى ومصدر الثقة وشعاره تحت قيادة الكاتب أحمد المسلمانى هو «عودة ماسبيرو»