ما أشبه الليلة بالبارحة، عاصمة عربية جديدة تسقط، فقبل واحد وعشرين عاما، وتحديدا فى أبريل 2003، سقطت بغداد، بعد معركة غير متكافئة بين الجيش العراقى والجيش الأمريكي، بعد الحصار الاقتصادى الذى فرضه مجلس الأمن على العراق.
كان مشهد سقوط تمثال صدام رمزا لسقوط بغداد، ورقص العراقيون واحتفلوا ابتهاجا ، ورحبوا بالمحتل الأمريكي، بينما كنا نحن المصريين، فى حالة حزن شديد، ليس بكاء على صدام ولا نظامه، ولكن خشية على ما نراه من نذر شر على البلد الشقيق، قرأنا الأحداث بشكل صحيح، فإذا كان العراق قد خرج من حفرة فإنه قد وقع فى بئر، وعانى سنوات من الأمريكان المتغطرسين والتنظيمات المتطرفة، حتى أن الجيش العراقى لم يصمد ليلة واحدة أمام داعش، وأدى التدخل الأجنبى من قوى إقليمية لتحويل العراق إلى ساحة حرب وصراعات، وخسائر بلا حدود على مدى أكثر من عقدين من العنف والقلاقل والأزمات.
استهدفت واشنطن من غزو العراق اجتثاثه من منظومة الدفاع القومى العربي، واختلال فى التوازن الإقليمي، بل والتخلص من الجيوش فى المنطقة ليبقى جيش الاحتلال الأقوي، والهدف نفسه تريد تحقيقه فى سوريا، حيث بدأت الأزمة بما زعموا أنه «الربيع العربي»، ففى 2011 خرجت مظاهرات، طالبت بإسقاط نظام بشار الأسد، وتطورت إلى المواجهات والعنف، وتسبَّبت فى هجرة مئات الآلاف إلى الدول المجاورة، وحدثت انشقاقات فى الجيش وتأسيس الجيش السورى الحر، وعم الصّراع مختلف أنحاء سوريا، وقد كان للدور الروسى والإيرانى العامل الأكبر فى حماية نظام الأسد من السقوط، والصمود طوال تلك الفترة.
مشاعرنا نحن المصريين هى نفسها، نتألم لسقوط دمشق، كما تألمنا لسقوط بغداد، ولا تسرنا احتفالات الإخوة السوريين برحيل الأسد فى الساحات والميادين والتكبيرات فى المساجد، لأننا نخشى أن تتكرر مأساة بغداد، وهذا ما يبدو فى الأفق، وعلى السوريين أن يؤجلوا الاحتفالات وإقامة الأفراح والليالى الملاح إلى أن تستقر بهم الأحوال، وترسو سفينتهم على شاطئ الأمن والاستقرار، خاصة وأنهم يعانون من الانقسامات والفرقة ولا يوجد من يلملم أشلاءهم.
حكم سوريا شأن داخلى لأبنائها، لا يهمنا بشار يحكم أو يرحل، ولا من يتولى الحكم، لكن يهمنا أن تبقى سوريا التى كانت يوما نصف الجمهورية العربية المتحدة، دولة عربية كبيرة لها ثقلها، نخشى من المطامع والخلافات المذهبية والسياسية والمؤامرات الخارجية التى حولتها إلى شبه دولة، ثم إلى فوضى وأوضاع لا يستطيع أحد الآن وصفها ولا يتنبأ بمستقبلها.
سوريا فى مفترق طرق، والأوضاع على الأرض تنذر بما لا يحمد عقباه أكثر من ذلك، فالأراضى السورية بين مخالب مطامع دولية وإقليمية، وتناحرات من تنظيمات لها انتماءات خفية، لا يدرى الكثيرون من وراءها ومن يمولها وكيف تسير الأمور، ومن الذى ينسحب من السباق ومن الذى يقاتل، وهل ينشغل الجميع بالمطامع والحصول على أكبر قدر من الغنائم والأرض والنفوذ والثروات، أم نجد من يخرج ليعمل على الحفاظ على وحدة سوريا وأرضها وشعبها، حقيقة فى ظل الأوضاع المتردية والتناحر والاختلاف منذ أكثر من ثلاثة عشر عاما لا يلوح فى الأفق ما يمكن أن يطمئن القلب.
والسؤال المركب، لماذا تخلت روسيا وإيران عن بشار الآن، ولماذ الغفلة من الجيش السورى والنظام حتى استفحلت التنظيمات وتوحشت وتطلق على نفسها مسمى «المعارضة»، فتطيح بالجميع بين عشية وضحاها وتكرر مأساة سقوط الجيش العراقى أمام داعش، وإذا كانت هذه الجماعات بتلك القوة لماذا لم تناصر أبناء غزة الذى تتم إبادتهم، ولماذا لم يتوجهوا لتحرير الجولان المحتل؟.
المخططات والمؤامرات والتربص بالأمة العربية مستمر، وآفة حارتنا النسيان، فلا يجب أبدا أن ننسى ما حاولت جماعة الإخوان الإرهابية أن تفعله ببلادنا، والسنة الكبيسة التى تولت خلالها الحكم ورأينا وجهها القبيح الذى كشفت عنه بنفسها.
حفظ الله مصر بجيشها وشعبها ومؤسساتها ووحدتها الأبدية.