هل ما رأيناه من أعمال فنية احتفالاً بنصر أكتوبر هو كل ما يجب علينا رؤيته الآن فى زمن مختلف؟ بالطبع لا، ولكن علينا ان نرى كيف قاومنا العدو فى ذكرى معركتنا معه برغم انه ما زال يصدر لنا عدوانه الآن على أشقائنا فى فلسطين، ولبنان، عدوان على البشر العزل المدنيين، بل ودفعهم لترك بيوتهم وأماكن عيشهم، والا فالقتل والهدم هو الرد على من يخالف أوامر «جيش الدفاع» فى لبنان الآن.
فى الأسبوع الماضى كتبت عن العدد القليل من الافلام الطويلة التى قدمتها السينما المصرية عن حرب أكتوبر، وحرب الاستنزاف التى بدأت بعد النكسة بوقت قليل،واليوم اكتب عن افلام صنعتها إرادة هذا الشعب وتماسكه فى محبته لوطنه والدفاع عنه بلغة الفن، بعد النكبة واحتلال أسرائيل لفلسطين، وبداية محاولات دولة الاحتلال للعدوان على مصر وهو ما جعلها اول من يلبى طلب دولتى الاستعمار انجلترا وفرنسا اللتين قرّرتا اعلان الحرب على مصر عام 1956 بعد تأميم قناة السويس ، جاءت القوات الاسرائيلية اولا عبر الحدود لتواجه قتالاً شرساً لم يتخيله موشى ديان وزير حربهم خاصة بعد فشل قواته لأربعة ايام فى اقتحام حامية عسكرية مصرية، والمرور منها وبعدها جاءت قوات الإنجليز والفرنسيين فقررت الاستمرار، وليقوم المصريون، جيشا وشعبا، بإعطاء ثلاثتهم درسا لا ينسي، خاصة فى بورسعيد ومحافظات القناة حيث كان الجيش الإنجليزى يتمركز اثناء احتلاله لمصر، ثار العالم لهذا العدوان، وخاصة روسيا، وأمريكا التى لم يضعها المعتدون فى الصورة، وانتصرت مصر فى المعركة الإعلامية من خلال وثائق سجلها فيلم مصرى أثناء الحرب، وتم تحميضه سرا،وطبع اكثر من مائتى نسخة منه وقد أعطاه مخرجه «سعد نديم» أحد رواد السينما التسجيلية المصرية اسم «فليشهد العالم» ليفاجأ الإنجليز به يعرض فى بلدهم أثناء العدوان على مصر .
بورسعيد.. وطلب الرئيس
بعد خروج دول العدوان الثلاثى بهزيمة وفضيحة دولية، طلب الرئيس عبدالناصر من الفنان فريد شوقى فيلما عن الانتصار، وكان شوقى ينتج افلامه من خلال شركة العهد الجديد التى أقامها، فسعد بهذا الاختيار وفورا كان ابناء الفن معه، كل يريد المساهمة فى فيلم عنوانه «بور سعيد» فقام المخرج عز الدين ذو الفقار بكتابة قصة الفيلم والسيناريو، وكتب على الزرقانى الحوار، وقام عبدالحليم نصر بالتصوير والبير نجيب وحسن أحمد بعمل المونتاچ وفؤاد الظاهرى بإعداد موسيقى الفيلم وكتب الأغانى والأناشيد محمود الشريف وعبدالله شمس الدين، أما التمثيل فلم يترك أى ممثل مصري. وقتها فرصة لمشهد واحد إلا وقام به محبة فى فيلم يعبر عن مقاومة شعب بورسعيد للاحتلال الإنجليزى وقواته وجواسيسه، من فريد شوقى وهدى سلطان الى شكرى سرحان وليلى فوزى ورشدى اباظة وزهرة العلا وأمينة رزق وسراج منير، وتوفيق الدقن وغيرهم كثيرون، والمدهش هنا هو ان من أدار انتاج «بورسعيد» هو المنتج والمخرج حلمى رفلة والذى اعلن ان تكلفته بلغت 35 ألفا من الجنيهات.. والذى عرض فى يوليو عام 1957 بعد شهور قليلة من انتهاء العدوان الثلاثى.
وجماعات مقاومة بالسينما
تجمع المخرجون المصريون الجدد من ابناء الدفعات الاولى لمعهد السينما بعد نكسة 67 وقرروا ان يقوموا بعمل أفلامهم بدون انتظار لدعم الدولة، وهكذا تأسست «جماعة السينما الجديدة»، ليقدم اعضاؤها الفيلم الاول «اغنية على الممر» للمخرج على عبدالخالق وهو فيلم نادر عن مجموعة من المقاتلين تخلفت عن بقية الكتيبة فقضت أوقاتا طويلة فى الصحراء تسترجع حياتها وأزمتها وتحاول البحث عن منفذ للعودةالى الكتيبة، وبعده قدمت الجماعة فيلم «الظلال على الجانب الآخر» للمخرج الفلسطينى غالب شعث، وفيلم «أبناء الصمت» إخراج محمد راضى، وكلها افلام قدمت رؤى مختلفة للاجيال الجديدة من المصريين قبل وبعد حرب اكتوبر، وان عرض ثالثها بعد الحرب وبعده توالت الأعمال الأخرى، حتى الممر الذى رأيناه من سنوات قليلة «ورأيناه منذ أيام فى عيد ذكرى أكتوبر»، السؤال الآن هو لماذا لا نرى الأفلام التسجيلية التى أنتجت منذ العدوان الثلاثى، وما قبله، وبعده، ولماذا لا تعرض هذه الأفلام التى سجلت لنا اجزاء من تاريخنا على القنوات العامة وليس القناة الوثائقية الجديدة فقط؟
لقد كان من اهم ما رأيناه فى ذكرى أكتوبر فى الأيام الماضية بجانب الأفلام التى قدمتها قناة الوثائقية التابعة للشركة المتحدة بعض الأفلام الوثائقية الأجنبية التى قدمتها جهات إعلامية دولية مثل فيلم فرنسى من ثلاثة اجزاء بعنوان «لن تصمت الأرض» تضمن الى جانب احداث حرب أكتوبر بتفاصيلها تقارير وكالات إعلام دولية مهمة مثل أسوشيتد برس عن عدد المستوطنات التى اقيمت فى العريش فور حدوث النكسة بأيام حيث اعتقد الاسرائيليون وقتها ان مصر قد انكسرت، وان لحظتهم الحاسمة فى القتال والغزو قد حانت، ويسجل الفيلم الفرنسى ايضا كيف اندفع الاعداء الى الهجوم على مصر فى أماكن عديدة مثل محاولة احتلال جزيرة شدوان، ومجزرة أبوزعبل، ومدرسة بحر البقر، ومحاولاتهم لإقامة جسر فى قناة السويس استغلالا لوداع المصريين للرئيس عبدالناصر، وهو ما قدمه فيلم فرنسى وثائقى آخر بعنوان «على الطريق. إلى. سيناء» اتمنى ان نرى كل الأعمال المصرية والأجنبية فى الذكرى القادمة بإذن الله.