تسعى الدولة لزيادة مواردها، لدعم جهودها في تمويل الخدمات العامة وتحقيق التنمية المستدامة، مستفيدة من الإصلاحات الاقتصادية والحوافز والإجراءات المبسطة التي عززت النشاط الاقتصادي ورفعت كفاءة الإدارة الضريبية.
وقد انعكس ذلك بوضوح في القفزة التاريخية للإيرادات الضريبية خلال الفترة من يوليو إلى أكتوبر من العام المالي 2024-2025، حيث ارتفعت بنسبة 38.3% لتصل إلى 560.7 مليار جنيه، مقارنة بـ405.5 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي. وأكدت وزارة المالية أن هذه الزيادة، الأعلى منذ 20 عامًا، جاءت مدعومة بميكنة النظم الضريبية، وتوسيع القاعدة الضريبية، وحل أزمة النقد الأجنبي، إلى جانب المبادرات التي شجعت على ضخ استثمارات جديدة ودمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية.

أكد هيثم تركي الخبير المحاسبي والضريبي، بأن التحول الكبير الذي شهدته الإدارة الضريبية في مصر خلال السنوات الأخيرة هو نتيجة مباشرة لجهود الدولة في تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة، بجانب تطبيق حزمة من المزايا والتسهيلات الضريبية التي ساهمت في تحسين بيئة الأعمال وزيادة الإيرادات العامة للدولة.
وقال إن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته الدولة ساهم بشكل كبير في دعم مختلف القطاعات الاقتصادية، مما أدى إلى زيادة الصادرات، وانتعاش الشركات التي تعمل في مجال التصدير، وبالتالي ارتفعت أرباح هذه الشركات بشكل ملحوظ. وأضاف أن هذا الارتفاع في الأرباح انعكس إيجابيًا على الحصيلة الضريبية، ما يعكس نجاح السياسات الاقتصادية المتبعة.
وأشار تركي إلى أن الدولة تمكنت من تخفيف أزمة الدولار التي تفاقمت في الفترة السابقة، مما أدى إلى تسهيل حصول المصدرين والمستوردين على العملات الأجنبية مثل الدولار واليورو وغيرهم. واعتبر أن هذا التحسن في تدفق العملة الأجنبية ساهم في تعزيز حركة التجارة ودعم الأنشطة الاقتصادية.
وأشاد تركي بعملية ميكنة النظام الضريبي، التي ساعدت في دمج العديد من الجهات التي كانت تعمل في الاقتصاد غير الرسمي داخل المنظومة الرسمية. وأكد أن هذا الدمج كان له تأثير كبير على زيادة الإيرادات الضريبية، حيث أصبحت هذه الجهات جزءًا من المنظومة الضريبية، مما ساهم في تحسين كفاءة جمع الضرائب.
وتطرق تركي إلى القوانين التي ساهمت في تعزيز الاستثمار، مثل قانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم 207 لسنة 2020، وقانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر رقم 152 لسنة 2020. وأكد أن هذين القانونين قدما دعمًا كبيرًا لرواد الأعمال وأصحاب المشروعات الصغيرة، مما أدى إلى زيادة حجم أعمالهم وأرباحهم، وبالتالي ارتفاع قيمة الضرائب المدفوعة.
ولفت إلى أن الدولة قدمت تسهيلات كبيرة، منها السماح للمقاولين بتعديل إقراراتهم الضريبية للفترات من 2021 إلى 2023 دون فرض غرامات، مما شجع المؤسسات على تقديم إقرارات معدلة بدقة أكبر. كما ساهم التوسع في نظام الفحص بالعينة وضبط المخاطر في تيسير الإجراءات الضريبية، مما أدى إلى زيادة تدفق الإيرادات.
وأشار إلى أن إنشاء آلية لتسوية المنازعات الضريبية القديمة كان له أثر إيجابي كبير في تعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء. واعتبر أن هذه التسويات خففت من الأعباء على المستثمرين وساهمت في خلق بيئة تنافسية عادلة.
وشدد على ضرورة رفع حد الإعفاء الضريبي للشركات الدولية ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمزيد من الإعفاءات الضريبية لفترات زمنية ممتدة، بما يتيح لهذه المشروعات تحقيق أرباح مستدامة تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني والحصيلة الضريبية في المستقبل. وأكد على ضرورة إنهاء الملفات الضريبية المتراكمة لتسريع حركة النشاط الاقتصادي وتحقيق أهداف التنمية.

أكد مينا جمال المحاسب القانوني وعضو جمعية الضرائب المصرية، أن وزارة المالية ومصلحة الضرائب المصرية حققتا تطورًا ملحوظًا في مجال ميكنة المنظومة الضريبية، ما يعكس التزام الدولة بالتحول الرقمي وتطوير البنية التحتية للضرائب في مصر. وقال أن تطبيق برنامج “SAP” في عدد من المأموريات الضريبية يمثل خطوة نوعية أسهمت في تحسين كفاءة النظام الضريبي وزيادة الحصيلة الضريبية، فضلاً عن تقليل حجم الاقتصاد الموازي.
وأوضح أن المنظومة المميكنة، التي تشمل الفاتورة الإلكترونية والإقرار الضريبي الإلكتروني الشهري، ساهمت بشكل كبير في كشف حجم المبيعات والإيرادات الفعلية للممولين. وأضاف أن نظام الإيصال الإلكتروني، الذي يسجل كل فاتورة مبيعات في قاعدة بيانات مصلحة الضرائب، ساعد في تقليل التجاوزات التي كانت تحدث في النظام الورقي، حيث كان بعض الممولين يتلاعبون في الفواتير لتقليل الضرائب المستحقة.
وأشار إلى أن الاقتصاد الموازي في مصر يشمل فئتين رئيسيتين: الفئة الأولى تضم العاملين الذين يمتلكون بطاقة ضريبية وسجلًا تجاريًا، لكنهم لا يعلنون عن إيراداتهم الحقيقية، مما يؤدي إلى نقص في الحصيلة الضريبية. أما الفئة الثانية فهي تضم النشاطات غير المسجلة تمامًا، والتي لا تمتلك وثائق قانونية مثل البطاقة الضريبية والسجل التجاري.
واقترح عضو جمعية الضرائب المصرية تبسيط الإجراءات الضريبية لجذب العاملين في الاقتصاد غير الرسمي، مشيرًا إلى إمكانية الاستفادة من عدادات الكهرباء التجارية لتحديد الأنشطة غير المسجلة من خلال التعاون بين مصلحة الضرائب ووزارة الكهرباء لحصر العدادات التجارية وفتح ملفات ضريبية بناءً على ذلك. وأكد أن تبسيط النظام الضريبي وزيادة الشفافية ستشجع المزيد من الممولين على الانضمام إلى المنظومة الرسمية.
شدد جمال على أهمية التخلص من التقديرات الجزافية التي تُسبب التباسًا بين الممولين وتؤدي إلى نزاعات مستمرة. وأعرب عن أمله في أن يتم تطبيق نظام عادل وواضح للتقديرات قبل نهاية العام الجاري، بما يضمن تحقيق العدالة الضريبية وتعزيز الثقة بين الممولين ومصلحة الضرائب.
أثنى على توجه الدولة الحالي نحو دعم الاستثمار وخلق بيئة مشجعة لإنشاء المشروعات الجديدة، من خلال تقديم حزم ضريبية محفزة. ومع ذلك، أكد أن نجاح هذه السياسات يتوقف على إزالة المعوقات التنفيذية، مثل عدم تطبيق نظام “SAP” في بعض المأموريات، ما يُسبب مشكلات في نقل الملفات الضريبية أو فتح ملفات جديدة لنفس صاحب النشاط. مع الإسراع في تعميم الميكنة بجميع المأموريات لتحقيق التكامل بين مختلف الأنظمة.