تأميم قناة السويس.. وبناء السد العالى أهم مشروع تنموى فى القرن الماضى
أسس مجموعة عدم الانحياز مع تيتو ونهرو
هل يمكن أن يكون هناك يوم معين عالق فى الذاكرة الحية يتذكره الإنسان فى أغلب الأحيان؟ إذا كان هذا الكلام له نصيب من الصحة أعتقد أنه يوم 28 سبتمبر 1970 أحد الأيام التى لا تغيب عن الذاكرة وتحديدا عند الساعة السادسة تقريبا مساء الاثنين عندما أعلن نبأ وفاة الزعيم جمال عبدالناصر بصوت نائبه وزميله فى مجلس قيادة الثورة الرئيس الراحل أنور السادات.. كان صدمة ومفاجأة للشعب والعالم فقد كان للتو قد أنهى مؤتمر القمة العربية بالقاهرة الذى عقد بسبب الأحداث فى الأردن والتى عرفت إعلاميا ∩ايلول الأسود∪.. كان الإعلان حزينًا واتشحت مصر مدنها وقراها بالسواد وكان المأتم فى كل بيت لأن عبدالناصر كان يمثل قيمة خاصة للمصريين والعرب والعالم الثالث.. وهو الرجل الذى صنع تاريخا عربيا وافريقيا ودوليا.. وكانت كاريزميته أيقونة حركات التحرر العربية والافريقية ومفتاح الحرية والسيادة للعالم الثالث ضد الاستعمار القديم.
يمر اليوم 54 عاما على وفاته وأكثر من 106 أعوام على مولده ولا يزال الجدل مستمرا حول عبدالناصر قائد ثورة يوليو ومفجرها ومواقفه ضد الاستعمار ودفاعه عن القضية الفلسطينية وقيادته لواحدة من أهم التجارب التنموية فى منتصف القرن الماضى كما تقول سيرته الذاتية على كره الظلم والاستعمار بهتاف يردده الأجداد «يا ربنا يا عزيز.. داهية تأخذ الانجليز» وهى العبارة التى توارثها المصريون على مدى 10 أجيال منذ الاحتلال بدء الذى بدأ فى عام 1882.
الخالدون.. أحياء
الخالدون عهدتهم أحياء.. يرزقون.. نعم يظلون أيقونة فى ذاكرة الشعوب وكان لعبدالناصر المولود فى 15 يناير 1918 نصيب فى هذا فرغم الوفاة وتخطى الميلاد ست سنوات بعد المائة لا يزال قادرا بسيرته على البقاء عميقا فى المخيلة الشعبية رغم أنه لم يسلم من الحملات لتشويه سيرته.. فقد أدرك منذ ولادته بحسه التاريخى والجغرافى فى الانحياز للطبقة المتوسطة والفقيرة باعتباره واحداً من ملح هذه الأرض وعبق حضارتها فمولده كابن الصعيد قريب من عاصمة حضارة العالم فى أسيوط التى تبعد عن الأقصر 300 كيلو طلت على العالم بأقدم حضارات التاريخ مرابط مينا موحد القطرين وبانى حضارة خالدة بكنوزها وتراثها.. كان حريصا على إنصاف الملايين الذين تعلم وسطهم فى الابتدائى والإعدادى والثانوى وفى الأخيرة حاول دخول «الحربية» ففشل ودخل كلية الحقوق ولكنه ظل يراوده الحلم وبالفعل نجح فى الالتحاق بها عام 1938 فى مجتمع منقسم على نفسه أكثر من ألفى شخص يسيطرون على أكثر من خمس أراضى مصر مجتمع «النص» فى المائة والباقى يعيشون وسط مثلث الفقر والجهل والمرض وهذا كان له دور كبير فى تكوين شخصيته مع مولده وليس عندما التحق بالجامعة وتنقل مع والده الذى ألحق بالعمل فى البريد من أسيوط إلى الاسكندرية ثم الخطاطبة – أيام كانت تابعة للبحيرة – وفيها اقترب الطفل جمال من حياة الفلاحين وقسوتها وتعرف والده على عائلة الجيار التى ارتبط بها بعد ذلك القراءة التاريخية لمحطات حياته سطرها كثيرون قبلنا كما ستنقل عبر كثيرين بعدنا فى مناسباتنا الخاصة به يوم ميلاده ويوم ثورة 23 يوليو ووفاته.
الجنازة الأكبر فى التاريخ
سأقفز بعيدا عن أعمــاله ومواجهتـه للإخـوان لأعيـد ماذا ردد المصـريون والعـــالم يــوم وفاتــه:
«9 و10 بايعناك.. وليلة الإسراء ودعناك» هذه العبارة رددها أكثر من 9 ملايين فى جنازة هى الأكبر فى التاريخ امتلأت الشوارع من مبنى مجلس قيادة الثورة على النيل حتى جامع عبدالناصر الذى عادة يلتقى فيه أحباؤه فى هذه الذكرى كل عام لقراءة الفاتحة.. واللافت أن أغلب الحضور من الشباب الذى لم ير عبدالناصر لكن قرأ وسمع عن حياته ومواقفه فقد أرسى نسقا قيميا يميز سيرته الطويلة بأعمالها وبصماتها رغم أنه عاش فقط 52 عاما.
ففى الجنازة مازال كثير من حضورها على قيد الحياة يتذكرون هتافهم «يا خالد قول أبوك 100 مليون بيودعوك».. «ابكى ابكى يا عروبة على اللى بناكى طوبة طوبة».
الإصلاح الزراعى
كان همه مساندة المزارعين ولذلك بعد 43 يوما من الثورة فقط صدر قانون الإصلاح الزراعى.. ودخل فى تحسين أحوال الفلاحين بمشروع السد العالى الذى معه خاضت مصر معركة التأميم لبناء السد بعد تعثر التمويل.. ومع قرار التأميم قام العدوان الثلاثى عام 1956 وقبلها بعام كان لقاؤه فى باندونج لتأسيس مجموعة عدم الانحياز بتيتو ونهرو وهى ما سمى بمجموعة دول عدم الانحياز ومازالت باقية إلى اليوم تشهد وتشيد بدور مصر وعبدالناصر فى تأسيسها.. فى مرحلة دقيقة وسط حرب باردة وقوى عظمى تتصارع على النفوذ وتسعى لاستقطاب الدول المستقلة.
سر حب ناصر
حين قامت ثورة يوليو 1952 لم يكن فى عالمنا العربى سوى ٧ دول مستقلة ولدينا جامعة عربية شاركت مصر فى تأسيسها إضافة إلى عضوية منظمة الأمم المتحدة.. ومصر تحتاج إستراتيجية تنمية اجتماعية اقتصادية صحية صناعية تعليمية ترسم خريطة الدولة الجديدة وهنا وضعت الخطط القومية لبناء الدول.. وأنشئت بنية تحتية لمساندتها بدأت بناء الوحدات الصحية الريفية والمدارس والمصانع وتطوير القائم منها مع الاهتمام بمخرجات التعليم ليواكب الوضع الجديد لخطة البناء التى وضعتها الدولة.. فى الوقت الذى لم ينس عبدالناصر خيبة الأمل فى حرب 1948 والتى أوجدت جرحا نافذا عاش معه حتى وفاته من أجل القضية الفلسطينية.
مبادئ الثورة
وسارت الاستراتيجيات لتحقيق مبادئ الثورة الستة ومنها الهدف الرئيسى ببناء جيش قوى وتحقيق العدالة الاجتماعية فى دولة كانت مصابة بموت مدنى ومنهكة ويعلو العرش ملك يلهو فى صلات السينما والأحزاب تعانى فوضى انفصال تام عن الواقع وفلاحين التهبت أقدامهم من الحفاة وهنا قامت الثورة لتغير وجه وطن يمتلك مقدرات الحياة إذا تم استغلال ثرواته وسط استعمار كان يعتبر مصر مصدر القطن الخام لمصانعه فى لانكشير.
ولم يكن التصنيع فقط محور تحركه والتعليم أو التنمية الثقافية أو الرعاية الصحية بل أيضا النهضة الزراعية وزيادة رقعتها وهنا لابد من مشروع قومى هو السد العالى.
السد العالى
مع فكرة السد العالى.. برزت مشاكل التمويل والبناء فى معركة تنمية واسعة وسط ترقب دولى حول الشخصية المحورية للثورة والثورة نفسها فى معيار الغرب الاستعمارى والشرق الباحث عن موطئ قدم فى المنطقة فى غياب الاستعمار القديم وبزوغ الولايات المتحدة كقطب كبير بعد الحرب العالمية الثانية واستقلال الصين وتقاسم العالم وأوروبا المقسمة بين ألمانيا الغربية والشرقية وقتها.
مجلة فورين أفيرز
ولكى ندرك عمق الصراع نعود إلى مجلة فورين أفيرز التى نشرت عام 1955 مقالا عن مصر وكان رئيسيا وذكرت فيه المنطقة «الشرق الأوسط» مشيرة إلى أن هذه المنطقة لمدة قرن ونصف القرن كانت تتبع سياسة سلبية.. وأنها أى المنطقة عرفت ما الذى يريد التخلص منه لكن لم تعرف أبدا ما يريد بناؤه ومضت فورين أفيرز فى مقالها قائلة: إن مصر بحثت عن مخرج لها وأن المصريين استغرقوا وقتا طويلا ووسط أمل أن يكون لهم قادتهم الذين يؤيدون قضيتهم ويدافعون عن مصالحهم.
وأشارت إلى أن الساسة الفرقاء قبل الثورة أنهم خاضعون لقوى أخرى من الحكام البريطانيين والملوك الفاسدين والإقطاعيين والطبقة الحاكمة غير المصرية وبعض أتباعها من المصريين.. ومضت تقول فى توصيف مصر – منذ البداية استنزف البريطانيون قوة مصر وطاقاتها وحلوا الجيش وجعلوه قوة رمزية بقيادة ضباط بريطانيين وانتشر المستشارون البريطانيون فى كل مصلحة حكومية.. وأشارت المجلة إلى أن نظام الحكم الاجنبى بنى على الملكية الفاسدة والنظام الإقطاعى الذى وضع فى عهد محمد على واحتكر لنفسه الأراضى والموارد وعامل الفلاحين على انهم عبيد.. وخلق طبقة الإقطاع وتناول المقال احتكار التجارة والصناعة وحرمان الفلاحين من ثمار انتاجهم وأن حرب 48 كشفت ما اسمته الشرور فى القصر مشيرة إلى حريق القاهرة.. وأنه لم يكن هناك سبيل إلا الثورة الطريق الوحيد بقيادة الجيش وتأييد الأمة السبيل للنجاة موضحة أن ما أعلنه عبدالناصر من أسس جديدة هى التنمية المتكاملة ومنها بناء سد للزراعة والطاقة وإقامة مصانع لاستغلال الحديد الخام فى أسوان إضافة إلى صناعات أخرى كالورق والسماد وإطارات السيارات.
هذا ما وصفت به المجلة الأمريكية الحالة المصرية لذلك نستطيع القول إن المناخ الذى قامت به الثورة وقادة عبدالناصر لم يجد بدا إلا من التطوير والإنتاج والاعتماد على القوى المصرية لبناء الوطن وهنا كان مشروع السد العالى..
تأميم القناة
ومشروع السد العالى قاد إلى معركة التأميم وبسبب تأميم القناة قامت حرب 56 أو ما يعرف بالعدوان الثلاثى وكان انتصارا سياسيا كبيرا لمصر عبدالناصر فى مواجهة أطماع الغرب ضد مصر.. وكان ناصر قد سبق التأميم بمعركة الجلاء فى عام 1954 ومع دخول التجربة والخطط الاستراتيجية والتصنيع كان لابد من كسر شوكة هذه الدولة القوية التى يقودها عبدالناصر وجنوده لمساندة ثورات العرب فى المغرب والجزائر وتونس واليمن شماله وجنوبه.
نكسة 67
وجاءت نكسة 67 وخروج شعب مصر بأكمله لرفض تنحى عبدالناصر ومطالبته بإكمال المسيرة فى تجربة أيضا شعبية أعادت ناصر إلى كرسى الرئاسة بعد أن تنحى وانضم إلى صفوف المواطنين.. ودخل فى بناء الجيش لإزالة آثار المعركة.. وفيها دخل معركة تحريك القوات المسلحة وحرب الاستنزاف التى أرهقت وأزعجه إسرائيل وكانت بداية من معركة رأس العش والجزيرة الخضراء وشدوان وغيرها ضرب شعار إسرائيل «الجيش الذى لا يقهر» لأن الشارع المصرى كان لديه تصميم كبير وعزيمة صادقة وقوية وإيمان بجيشنا البطل لإزالة آثار العدوان.. وجاءت مبادرة روجرز ووافق عليها عبدالناصر لاستكمال تسليح قواتنا المسلحة.
أيلول الأسود
وأمام أحداث الأردن «أيلول الاسود» تحرك ناصر باتصالاته مع القادة العرب لإيجاد حل عربى ونجح فى قمة القاهرة ومع توديع القادة العرب عاد إلى منزله منهكا وأسلمت روحه إلى بارئها طاويا عمر زعيم زلزل كراسى امبراطوريات الغرب التى كانت تتفاخر بأنها لا تغرب عنها الشمس وقاد مصر إلى مكانة مهمة فى العالم.
عبدالناصر وإفريقيا
كان عام 60 عام التحرر الافريقى حيث نالت 17 دولة افريقية استقلالها بعد أن تكللت جهود ناصر بالنجاح فى الانتصار لكفاح حركات التحرر ونالت سيادتها واستقلالها فى ظل تكون الاتحاد الافريقى وكان له دور بارز فى عرض القضية الفلسطينية والدفاع عنها ورسم خريطة تحرر واسعة لاستقلال دول افريقيا ولا توجد دولة فى افريقيا ليس بها شارع أو جامعة أو معهد باسمه فقد كانت ذراع التنمية فى القارة السمراء بأياد وخبرات مصرية وصنعت اللبنات الأولى لها وفتح معاهدنا ومراكزنا العلمية والصحية للأفارقة الذين لم يكونوا لثوراتهم وحركاتهم مقار فى القاهرة فقط بل نالوا قسطا من تعليمهم فى مصر وعادوا رؤساء ووزراء وسفراء لبلدانهم.. ولا ينسى أبناء زيمبابوى «روديسيا الجنوبية» موقف مصر وعبدالناصر معهم ضد الحكومة العنصرية ووقوفه ضد سياسة التمييز العنصرى «الابارتهايد» الذى فرق بين ما يسمى البيض والسود.. وشهد عام 62 مشاركة 28 دولة ضد قضية «الابارتهايد» الأمر الذى صنع لناصر مكانة خاصة بين زعماء العالم قائداً للتحرر العالمى.
أمريكا اللاتينية
وها هى فى أمريكا اللاتينية وفى فنزويلا ينظرون إليه كرمز للنضال ضد الاستعمار وذكر الراحل هوجو شافيز فى أكثر من لقاء وكان يفتخر بأن تصدر صورة عبدالناصر مكتبة الرئيس كما أقام تمثالا خاصا فى برلمان فنزويلا لناصر واصفا إياه بأن مكانه بين أهم زعماء العالم.
الإرث الذى تركه على حركات التحرر الافريقية والدول النامية لايزال باقيا وكثير من كتب التاريخ فى هذه الدول يتحدث عن دور عبدالناصر فى استقلالها.. وأذكر هنا ما قاله الأكاديمى الافريقى «ازروى» إن العرب فى هذا القرن قدموا لنا عبدالناصر لتحرير قارتنا.
ووصفه القادة الأفارقة بأنه سيظل أبرز الزعماء الذين ساهموا فى تحرير افريقيا.
عبدالناصر والإخوان
فى الأربعينيات بينما يسعى للتعرف على التنظيمات السياسية بين اليمين واليسار كان الإخوان يزعمون امتلاك مشروع التغيير ومع نجاح الثورة حاولوا كعادتهم أن يقتربوا من الثورة بعد أن كانوا يوقدون شموع النفاق للملك على شرفه وينحنون أمام عرشه تبجيلا وكانوا يمارسون كل سياسات اللعب على كل الحبال وهى طبيعة بيولوجية لديهم.. كلما لا نستطيع لوم الضباع على مكرها وغدرها والأفعى على لدغاتها والحرباء على تغيير لونها.. فالجماعة الإرهابية جمعت بين كل هذا القدر والمكون واللعب مع الشيطان من أجل مصالحها وهذه هى طبيعة التنظيمات التى ولدت فى الغرف المظلمة فى رحم المخابرات البريطانية وظنوا أنهم يستطيعون اللف والدوران على الثورة كما حدث فى يناير وأحداثها وظنوا أن ناصر دمية يمكن أن يحركوها كما شاءوا.. ومنها كانت الصدمة الأولى موضوع المرشد العجوز حسن الهضيبى الذى طلب تحجيب السيدات وإغلاق دور السينما والمسارح ومنع المرأة من العمل ليس هذا فقط بل نصب نفسه وصيا على الثورة ولا يزالون حتى الآن فهم يبدلون الأقنعة باحتراف مستغلين الدين الذى يدارون به أعمالهم الإرهابية التى كشفها الشعب المصرى منذ تأسيس جماعتهم على يد حسن البنا فى عشرينيات القرن الماضى بالإسماعيلية وإلى اليوم والحقد الدفين يملأ قلوبهم ضد كل ما هو وطنى نافقت الجماعة الإرهابية على مدى تاريخها الرئس عبدالناصر.
رئيس بدرجة مواطن
ربما لم يكتب كثير عن عبدالناصر وحياته الشخصية فى منزله فهو فى حياته بسيط جدا ومن اقترب من دائرته الصغيرة يعرف أنه كأى بشر له أسلوب حياة فقد روى حارسه الشخصى محمود فهيم وهو الرجل الذى لازم ناصر طالبا فى الكلية الحربية وعبدالناصر استاذه وبعد حادث المنشية عرض عليه أن يعمل معه وكانت العلاقة قد انقطعت منذ تخرج عام 1946 لكن حادث الاغتيال جعل فهيم يعاود الاتصال به وعرض عليه أن يعمل بجواره حتى لو كلفه حياته وظل معه حتى مات فى 28 سبتمبر 1970 وضمن السكرتارية الخاصة به كان حريصا على عدم العيش بين أولاده فى رفاهية وأى مظاهر من هذا كان كفيلا بازعاجه وحدث إن كان منزل منشية البكرى مطلوبا إخلاؤه لبعض الإصلاحات وذهب والأسرة إلى الاسكندرية وطال انتظاره لإصلاح وسأل سكرتيره محمود الجيار هل انتهى الترميم فأجابه بعض الوقت وكان لابد أن يحضر للقاهرة وحضر واسكنوه قصر الطاهرة.. فقال لو كنت أعرف لما حضرت لأنه كان يكره حياة القصور عايز ولادى يا «فخيم» هكذا كان يدلع فهيم.
حياة عامة الشعب
ليس هذا فقط بل دخل فى جدل مع الطباخين وطلب منهم صنفا واحدا خضار ولحمة وأرز.. والعشاء جبن وزيتون وجبن أبيض فى ميل جارف إلى التقشف ورفض كل قوائم الضيافة التى يعمل بها طباخو قصر الطاهرة لم يكن يضع أموالا فى محفظته وسلم راتبه إلى سكرتيره محمد أحمد وهو يعرف كيفية تدوير المبلغ على المنزل الذى يقيم فيه كان مطبخه فى منشية البكرى يخضع لإشراف دقيق من السيدة تحية كاظم زوجته التى نادوا لأبنائها باسمها مباشرة وهى دائما تناديه بـ«ياريس» بقول فتحى رضوان وزير الثقافة فى عهد عبدالناصر انه كان يحب السينما وكان هناك فيلم لسوزان هيوارد منع وسأل فتحى رضوان متى نعيد عرض الفيلم انه فيلم جيد وما قيل عنها شائعة فأفرج عن الفيلم.. وقال فهيم كان لا ينام إلا بعد الانتهاء من الملفات المعروضة عليه وعندما شاهد فيلم مصطفى كامل طالب فتحى رضوان بعمل فيلم عن محمد فريد وكان عاشقا لسماع أم كلثوم.. وعن حياته الأسرية كان يداعب أولاده ويشاركهم ألعابهم خاصة «بنج بونج» ببساطة عاش وهو زعيم يتحدث عنه العالم عيشة موظف بدرجة رئيس جمهورية كان يحلق عند الحاج محمد حلاق المبتديان وكان يحلق عنده أيام الكلية الحربية.. كان محافظا جادا.. واللافت أنه من محبى ثمرة الحرنكش وربما الفاكهة الوحيدة الذى كان يطلبها بالاسم.
عامل التراحيل
مرة فى أحد زياراته للصعيد القى عامل على إحدى المحطات بلفة بها رغيف عيش وبصلة وعندما شاهد المنظر قال له فهمت الرسالة ورفع أجرة عمال التراحيل إلى 25 قرشا بدلا من 12.. هذا هو الزعيم الذى كان موظفا بدرجة رئيس جمهورية.
خطاباته أحداث ومواقف
مثلت خطاباته مواقف كثيرة فى ذهن المواطن المصرى فقد كان يمتلك «كاريزما» تحفظ له القبول لدى المستمع وكثير من خطبه مجرد سماعها يعرف المواطن منا سنتها وذكراها وأشهرها فى 26 يوليو 1956 أهم خطاباته وهو خطاب التأميم وأيضا خطابه فى نفس العام من الجامع الأزهر أثناء العدوان الثلاثى على مصر والذى قال فيه «سنقاتل ولن نستسلم» وخطاب التنحى فى يونيو 1967 وخطاب بيان 30 مارس 1968 الذى جاء فيه بيان 30 مارس كثيرة خطابات ناصر فى مناسبات وطنية ومعظمها فى الذاكرة الحية لمعاصريه أو من سمعوا ودأبوا على سماعها يعرفون مناسبة الخطاب من السطور الأولى.. وهكذا رحل الزعيم لتبقى ذكراه خالدة بين كل أبناء مصر.
ماهر عباس
قالوا عن ناصر:
> الرئيس الجزائرى هوارى بومدين وصف عبدالناصر بأنه أعطى لوطنه وأمته عمره كله ولولا ناصر ما تحررت الجزائر لقد كان تحرير الجزائر حلما بعيد المنال قبل عبدالناصر.
نيلسون مانديلا الزعيم والرمز الافريقى: جاء إلى مصر ولم يستطع مقابلته فذهب إلى بلاده ليواصل كفاحه مع زوجته وينى مانديلا وسجن وعاد بعد أن افرج عنه وعندما وصل القاهرة قال سأزور أماكن هى الأهرامات والنيل العظيم وقبر عبدالناصر الذى تأخر عن زيارته قرابة 30 عاما
> يقول الأديب الكبير الراحل بهاء طاهر إنه كان فى زيارة لإحدى قرى كينيا وشاهد بقالا يضع صورة لناصر فى حانوته القريب من نيروبى فقال له لماذا تضع صورة ناصر فقال له إنه «أبو افريقيا» ومضى يروى هذا التاجر قصته حول مصر والتعليم والتدريب لأبناء بلده فى عهد عبدالناصر.
> عندما قابلت الرئيس نيلسون مانديلا فى الرياض فى أول زيارة له إلى السعودية بعد توليه الحكم فى قصر القبة القريب من قصر المؤتمرات فى العاصمة الرياض وعرف أننى من مصر استمر يتحدث معى حوالى 5 دقائق عن مصر عبدالناصر ذاكرا أنه لا ينسى هذا الزعيم وقد ذكر كلاما مشابهاً فى جامعة القاهرة عندما تم تكريمه بها وقال رفعت رأسى من بعيد حتى يرانى وحالت ظروف قاهرة بينى وبينه لم ألقاه وعندما حضرت كان سوء حظى أن ناصر لم يعد هناك!!
> نجيب محفوظ.. عبدالناصر كان له حسابات أخرى مع الجماهير.. أنه أكثر من أنصف الفقراء.. وأعطى أملاً للمصريين لا يحدث لذلك لا تنساه الناس لأن الأمل لا يموت وهذا ما يجعل اسم عبدالناصر يرتفع فى كل لقاءاتنا.