جسدت حرب أكتوبر المجيدة وإسقاط الأسطورة الإسرائيلية عبقرية الشعب المصرى الحر الأبى وقواته المسلحة التى غيرت مفاهيم الفكر العسكرى فى العالم حيث أصبحت معركة العبور مرجعاً يدرس فى كل جيوش العالم، فقد كانت معجزة عسكرية بكل المقاييس. وتمر علينا هذه الأيام الذكرى الـ 51 على نصر السادس من أكتوبر عام 1973 ذلك النصر الذى قاتل فيه المصريون ودفعوا الثمن غاليا من دمائهم الطاهرة، ليستردوا جزءًا غاليًا وعزيزًا من أرض الوطن الذى أقسمنا على حمايته وصون ترابه وحدوده مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات.. وحرب أكتوبر فريدة من نوعها؛ إذ أعطت درسًا نموذجيًا يُحتذى به فى فنون الحرب والمعارك، وفى براعة التخطيط الإستراتيجى والقيادة الحكيمة التى استخلصت العبر والدروس واستخدمت عنصر المفاجأة، وحطمت نظرية الأمن الإسرائيلى، فبعد أيام من يونيو 1967، بدأت الخطوات الأولى لتحرير سيناء، وقبل أن تندلع شرارة حرب أكتوبر بأكثر من ست سنوات شهدت جبهة القتال معارك شرسة، لقنت العدو درسا لن ينساه، حيث انطلقت حرب الاستنزاف بين القوات المسلحة المصرية وجيش الاحتلال، وكانت نتائجها بمثابة صدمة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، حيث بدأت المواجهة من سبتمبر 1968 وحتى السادس من أكتوبر 1973 حيث انطلقت القوات المصرية معلنة بدء العبور وتحرير سيناء الغالية.
«رأس العش» الشرارة الأولى لمعارك «الـ 1000 يوم»
تعد معركة رأس العش هى الشرارة الاولى لاندلاع معارك الاستنزاف التى دارت أحداثها يوم 1 يوليو 1967 على ضفتى قناة السويس واستمرت لنحو ثلاث سنوات بالقرب من بورفؤاد واستغرقت 8 ساعات، عندما حاولت المدرعات الإسرائيلية احتلالها، وتصدت لها قوة من الصاعقة المصرية نجحت فى صد الاعتداء الإسرائيلى الغاشم. . بعد هجوم القوات الجوية الإسرائيلية فى 5 يونيو 67 وتمكن إسرائيل من دخول سيناء، وتصورت إسرائيل أنها قضت تماما على مقاومة الجيش المصرى، وواصلت زحفها وتقدمها شمالا من مدينة القنطرة شرق القناة فى اتجاه منطقة بور فؤاد شرق بورسعيد ـ لاحتلالها، وتصدت لها قواتنا بكل شجاعة ودارت معركة رأس العش.
وصلت القوات الإسرائيلية إلى منطقة رأس العش جنوب بورفؤاد، وفوجئت بوجود قوة من قوات الصاعقة المصرية وعددها 30 مقاتلا مزودين بالأسلحة الخفيفة، وكانت القوة الإسرائيلية تتكون من عشر دبابات مدعمة بقوة مشاة ميكانيكية فى عربات نصف مجنزرة، وهاجمت قوات الاحتلال قوة الصاعقة المصرية ليتصدى لهم الأبطال بكل عنف وشراسة وفوجئت القوة الإسرائيلية بالمقاومة العنيفة للقوات المصرية التى أنزلت بها خسائر كبيرة وتمسك الأبطال بموقعهم بكل عزيمة وصلابة لا تلين، وكبدوا العدو خسائر فى الأفراد والمعدات وتدمير ثلاث دبابات معادية وأجبرتهم على التراجع جنوباً.
ولم يلبث جيش الاحتلال إلا أن عاود الهجوم مرة أخرى على المدينة الباسلة، وفشل فى اقتحام الموقع بالمواجهة أو الالتفاف من جانب آخر وكانت النتيجة تدمير بعض العربات نصف المجنزرة وزيادة خسائر الأفراد، فاضطرت القوات الإسرائيلية للانسحاب.. وبعد الهزيمة التى تعرض لها جيش الاحتلال الإسرائيلى لم تحاول إسرائيل العودة مرة أخرى إلى بورفؤاد وظلت الجزء الوحيد فى سيناء تحت أيدى القوات المصرية حتى اندلاع حرب أكتوبر 73.
الإرادة الشعبية تجاوزت يونيو 67.. ورفضت الاستسلام
بوابة العبور .. لاسترداد أرض سيناء
خطاب عبد الناصر والاعتراف بالهزيمة ومظاهرات «رفض التنحى»
.. ضربة البداية إزالة آثار العدوان.. استكمال النهضة والبناء.. موقف عربى موحد.. مهام عاجلة
«لقد تعودنا معاً فى أوقات النصر وفى أوقات المحنة.. فى الساعات الحلوة وفى الساعات المرة؛ أن نجلس معاً، ، وأن نتصارح بالحقائق، مؤمنين أنه من هذا الطريق وحده نستطيع دائماً أن نجد اتجاهنا السليم، مهما كانت الظروف عصيبة، ومهما كان الضوء خافتاً، ولا نستطيع أن نخفى على أنفسنا أننا واجهنا نكسة خطيرة خلال الأيام الأخيرة، لكنى واثق أننا جميعاً نستطيع – وفى مدة قصيرة – أن نجتاز موقفنا الصعب، وإن كنا نحتاج فى ذلك إلى كثير من الصبر والحكمة والشجاعة الأدبية، ومقدرة العمل المتفانية، لكننا نحتاج قبل ذلك إلى نظرة على ما وقع؛ لكى نتتبع التطورات وخط سيرها فى ما وصلت إليه».
كلمات قالها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى خطابه إلى الشعب المصرى والأمة بإعلان التنحى عن رئاسة الجمهورية، عقب يونيو 67، والذى اعترف فيه بالهزيمة، وتحمله المسئولية كاملة، حيث اعتبره المؤرخون بداية التصحيح، والانطلاق لاستعادة أرض الفيروز الغالية، فبعد أيام من يونيو 1967، بدأت الخطوات الأولى لتحرير سيناء.
وأكد الرئيس عبد الناصر فى خطابه: «ولقد كانت النتيجة المحققة لذلك أن قواتنا البرية التى كانت تحارب أكثر المعارك عنفاً وبسالة فى الصحراء المكشوفة؛ وجدت نفسها فى الموقف الصعب؛ لأن الغطاء الجوى فوقها لم يكن كافياً إزاء تفوق حاسم فى القوى الجوية المعادية، بحيث إنه يمكن القول – بغير أن يكون فى ذلك أى أثر للانفعال أو المبالغة – إن العدو كان يعمل بقوة جوية تزيد ثلاث مرات على قوته العادية».
وحدد الزعيم عبد الناصر مهام عاجلة حددها فى خطابه قائلاً: «المهمة الأولى، أن نزيل آثار هذا العدوان علينا، وأن نقف مع الأمة العربية موقف الصلابة والصمود. وبرغم النكسة فإن الأمة العربية بكل طاقاتها وإمكانياتها قادرة على أن تصر على إزالة آثار العدوان».. والمهمة الثانية: أن ندرك درس «النكسة»، وهناك فى هذا الصدد ثلاث حقائق حيوية، هى إن القضاء على الاستعمار فى العالم العربى يترك إسرائيل بقواها الذاتية، ومهما كانت الظروف ومهما طال المدى، فإن القوى الذاتية العربية أكبر وأقدر على الفعل وإن إعادة توجيه المصالح العربية فى خدمة الحق العربى ضمان أولى، فإن الأسطول الأمريكى السادس كان يتحرك ببترول عربى، وهناك قواعد عربية وضعت قسراً – وبرغم إرادة الشعوب – فى خدمة العدوان، وإن الأمر الآن يقتضى كلمة موحدة تسمع من الأمة العربية كلها، وذلك ضمان لا بديل له فى هذه الظروف.
واختتم خطابه: «إن هذه ساعة للعمل وليست ساعة للحزن، إنه موقف للمثل العليا وليس لأية أنانيات أو مشاعر فردية، إن قلبى كله معكم، وأريد أن تكون قلوبكم كلها معى، وليكن الله معنا جميعاً؛ أملاً فى قلوبنا وضياءً وهدي.. والسلام عليكم ورحمة الله».
وتمثلت الإرادة الشعبية التى وقفت خلف الرئيس والقوات المسلحة عقب النكسة، فى مظاهرات التى خرجها عشرات الآلاف من الشعب المصرى من أغلب ربوع مصر لتبكى وتشجب وتعترض على قرار تنحى الزعيم، وبعد حالة الحزن على الهزيمة ، زاد عليهم ألماً رحيل زعيمهم الوطنى، وبالفعل كان للمظاهرات الحاشدة التى خرجت لتعلن تمسكها ببقاء الزعيم أثرها فى نفوس المصريين، وتراجع «عبد الناصر» عن قراره بالتخلى عن منصبه وبقى رئيسًا للبلاد كما طالبه المصريون.
وبدأت مصر صراعها المسلح فى حرب الاستنزاف ضد إسرائيل، والتى بدأت بالصمود، ثم المواجهة تلاها مرحلة جديدة أطلق عليها الاستنزاف أو مرحلة التحدى والردع، وكانت بمثابة المدرسة والبروفة لحرب 1973، والتى تم من خلالها دراسة أسلوب العدو وأماكن الضعف والقوى وإمكانيات الأسلحة وعددها وغيرها من الدروس الكبيرة التى كان لها تأثيرًا فى تحقيق انتصار أكتوبر العظيم.
لسان التمساح تثير الفزع فى إسرائيل «الأشباح» .. تثأر
الفريق عبد المنعم رياض تفقد أعمال القتال والقصف المصرى بمنطقة على خط بارليف لـ» الجنرال الذهبى»
تعد معركة لسان التمساح او معركة الوفاء من أعظم معارك الاستنزاف على الاطلاق حيث جاءت ثأراً لاستشهاد رمز من رموز العسكرية المصرية الجنرال الذهبى الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان الجيش المصرى بعد أربعين يوماً من استشهاده الذى طالته يد الغدر والخسة وسقط شهيدا بين زراعى جنوده فى الصفوف الأمامية من جبهة القتال وكبدت تلك المعركة العدو الإسرائيلى خسائر جسيمة فى المعدات والأفراد.
اصر الشهيد البطل الفريق عبد المنعم رياض فى 9 مارس 1969 على تفقد أعمال القتال والقصف المصرى بمنطقة مسرح العمليات على خط بارليف رغم تحذيرات بخطورة تواجده نظرا لسخونة المنطقة واذا بنظارة ميدان قوات العدو ترصد تحركات وتجمعات لافتة للانتباه وعلموا بتواجد شخصية رفيعة المستوى بالموقع، فقصفت المدفعية الإسرائيلية المنطقة واصيب البطل بشظايا إحدى دانات المدفعية الإسرائيلية واستشهد. وقد أثار هذا الحادث موجة عارمة من غضب الشارع المصرى وقياداته السياسية بوجه عام والعسكرية بوجه خاص واتخذ القرار بالرد السريع بعمل إغارة ضد الموقع الذى انطلقت منه قذائف المدفعية وهو موقع المعدية 6 الذى تتحصن به قوة إسرائيلية معادية.
وهنا أصدر الرئيس عبد الناصر تعليماته بتجهيز عملية للأخذ بالثأر وكرد انتقامى من قوات العدو واوكلت المهمة وتنفيذ العملية الى المقدم إبراهيم رفاعى قائد المجموعة 39 قتال آنذاك لجاهزيتها الدائمة واستعداداتها القصوى عن طريق ممارسة الرماية و تشكيل حلقات المصارعة وغيرها بالدرجة التى جعلت موشيه ديان يطلق عليها مجموعة «الأشباح» لشراستها القتالية.
تجمعت المجموعة 39 قتال وانطلقت نحو الإسماعيلية وتمت عملية استطلاع الموقع عن طريق الصعود على مبنى هيئة الإرشاد أعلى المبانى المطلة على سيناء لاستطلاع القاعدة التى أطلقت الدانات التى تسببت فى مقتل الشهيد عبد المنعم رياض للوقوف على مدى قوتها و كانت المهمة تستغرق الساعات لابطال المجموعة العميد إبراهيم الرفاعى واللواء محيى نوح واللواء أحمد رجائى عطية « اللذين كانا برتبة الرائد آنذاك « والنقيب إسلام توفيق قاسم وبطل صف ضابط يدعى محمد عبده موسى، إضافة الى الاستطلاع الخاص بالقوات المسلحة لرصد المواقع والذى تكرر ثلاث مرات آخرها استطلاع صباح يوم العملية المخطط لها لدراسة التغييرات التى طرأت من حيث العدة والعتاد
تم التخطيط لتنفيذ العملية عن طريق تبة رملية ومجموعة من الحجارة لتمثيل الموقع الإسرائيلى وتسليح مكون من ألغام أرضية ورشاشات وصواريخ مضادة للمدرعات لقطع المدق الجبلى الموصل للموقع و تمكن الابطال من التمركز وزرع الألغام و نجحوا فى اصطياد دبابتين لاحقا وقطع كل محاولات الدعم عن قوات العدو، وفى تمام الساعة التاسعة مساء 19 أبريل 1969 انطلق أكثر من 60 بطل صاعقة من رجال المجموعة «39 قتال» فى عدة قوارب عبر بحيرة التمساح، يغطيهم قصف مدفعى لتأمين انتقالهم إلى الضفة الشرقية للبحيرة وعقب نزولهم من القوارب توجهوا إلى موقع الدشمة الإسرائيلية الحصينة وأبادوا كل من فيها تقريباً باستخدام القنابل اليدوية وقنابل الدخان لإجبارهم على الخروج إضافة إلى تدمير دبابتين وعربة مدرعة نصف جنزير كانت فى الموقع وبلغت خسائر إسرائيل 44 قتيلاً، إضافة إلى المعدات وبعض الأسلحة الخفيفة التى استولى عليها رجال الصاعقة المصرية.
أشهر المعارك البحرية فى التاريخ: إغـراق المدمـرة »إيـلات»
أبطال البحرية يدمرون جوهرة التاج الإسرائيلية
يظل تفجير المدمرة الإسرائيلية العملاقة «إيلات» 21 أكتوبر 1967 من أعظم أيام البحرية المصرية على الإطلاق وقد دونت ضمن أشهر المعارك البحرية فى التاريخ حيث تم إعداد سيناريوهات عدة لتوجيه ضربات انتقامية لإسرائيل وكان الهدف الرئيسى هو تدمير هذه السفينة التى تجرأت على الاقتراب من المياه الإقليمية أمام شواطئ بورسعيد مرات عدة فكان القرار تدميرها والتى كان يعتبرها الجانب الإسرائيلى جوهرة تاج للبحرية الإسرائيلية، نظرا لتميزها وإمكانياتها الفنية والتكتيكية العالية وفرط إعجابهم بها.
بدأت خطة تنفيذ تدمير المدمرة إيلات بتجهيز 2 لنش صواريخ تتميز بأنها لنشات خشبية وذات بصمة رادارية ضعيفة مما يصعب اكتشافها وقد تسللت واحدا تلو الأخر فى شكل بلنصات لنشات الصيد وتم تنفيذ الضربة الأولى للمدمرة إيلات بقيادة المرحوم احمد شاكر شطرتها نصفين ثم تابعها اللنش الثانى بضربة تكميلية أغرقتها بالكامل الأمر الذى دعا إسرائيل إلى طلب وقف إطلاق النار فى هذه المنطقة من مسرح العمليات لإنقاذ الجرحى وانتشال جثث القتلى طبقا للقواعد العسكرية البحرية المعمول بها دوليا.
ويعد تدمير المدمرة ايلات بداية لمرحلة جديدة من مراحل الصراع المصرى الاسرائيلى حيث ظهرت فيه قوة وشراسة القوات البحرية المصرية والتى تجلت تحديدا فى يوم 7 يونيو حين أرادت اسرائيل مناغشة البحرية المصرية بارسال غواصة وصلت امام ميناء الاسكندرية وانزال 3 من الضفادع البشرية بغرض تلغيم وحدات ميناء الإسكندرية وتصدت لها البحرية المصرية بالعبوات المضادة بشكل مكثف بالفرقاطة «طارق» على الرغم من أنها لم تكن مجهزة إلا ان كفاءة قائد السفينة وطاقمها المصرى طاردوا هذه الغواصة المعادية واطلقوا عليها قذائف الأعماق المختلفة وبقيت السفينة المعادية تواجه الامواج فى طريقها الى ميناء حيفا بعد اصابتها بما جعلها ترتكز على سرعة بطيئة وتصل ميناء يافا فى 30 يوما كاملة.
شاركت إيلات فى العدوان الثلاثى على مصر وكذلك فى حرب يونيو 1967، وعقب الحرب واصلت قطع البحرية الإسرائيلية اختراق المياه الإقليمية المصرية فى البحرين المتوسط والأحمر، وأمرت قيادة الجيش الإسرائيلى بأن تخترق المدمرة إيلات المياه الإقليمية المصرية وتدخل المنطقة البحرية لبورسعيد مستغلة قوة الردع المتمثلة لديها فى تفوقها الجوى ومدفعيتها الرابضة على الضفة الشرقية للقناة، مما دفع قيادة القوات البحرية المصرية أن تقرر التصدى لها وتضع النهاية الحتمية لتدميرها.
«قلب الأسد».. يقضى على آمال العدو فى نهب ثروات مصر
تفجير الحفار «كنتيج».. صفعة على وجه إسرائيل
يعد تفجير حفار البترول «كنتيج» فى 8 مارس 1970 الذى اشترته إسرائيل بغرض التنقيب عن البترول فى خليج السويس من أروع وأعظم العمليات خلال مرحلة معارك الاستنزاف ضد العدو، فى عملية عظيمة شلت ذراع إسرائيل فى تنفيذ خطتها الخبيثة لفرض سيطرتها الكاملة على سيناء من ناحية ونهب ثروات مصر البترولية من ناحية أخرى لكن التخطيط المصرى العبقرى حال دون ذلك وقال كلمته الأخيرة وتم بيع الحفار خردة بعد تفجيره بساحل العاج.
عقب نكسة 1967 حاول الإسرائيليون فى عملية حقيرة تحطيم الروح المعنوية للشعب المصرى والقضاء على أملهم القائم على تحرير الأرض المغتصبة، وقرروا استخراج البترول من خليج السويس أمام أعين المصريين وذلك فى محاولة لإجبار مصر على قبول أحد الأمرين، إما أن تقوم إسرائيل باستنزاف البترول المصرى، أو تهاجم الحقول المصرية التى تستغلها إسرائيل وهو ما كانت إسرائيل تنتظره لتتخذه كذريعة لضرب حقل (مرجان) للبترول الوحيد الباقى فى يد مصر لتحرم الجيش المصرى من إمدادات البترول، وفشلت كل المساعى الدولية فى إثناء إسرائيل عن مخططها حتى لا تتسع هوة التوترات الإقليمية بالمنطقة.
وهنا تم الاقتراح على الزعيم عبد الناصر بضرب الحفار خارج حدود مصر بواسطة عملية سرية، أو الاستعانة بسفينتين مصريتين كانتا تعملان فى خدمة حقول البترول وعندما بدأت إسرائيل عدوانها عام 1967 تلقت السفينتان الأمر بالتوجه إلى السودان «ميناء بورسودان» والبقاء فى حالة استعداد لنقل الضفادع البشرية المصرية ومهاجمة الحفار من ميناء «مصوع» الإريترى فى حالة إفلاته من المحاولات الأخرى، وأما إذا فشلت تلك العملية يتم الاستعانة بالقوات الجوية كحل بديل.
وهنا تم تشكيل مجموعة للتخطيط للعملية بإشراف «قلب الأسد» محمد نسيم كقائد ميدانى للعملية التى أطلق عليها اسم «الحاج» وبعد عمليات التتبع لحركة الحفار توفرت المعلومات الكاملة عن تصميمه وخط سيره ومكان تواجده، وأخطرت مجموعة من الضفادع البشرية التى ستقوم بتلغيم الحفار تحت سطح الماء أثناء تواجده بأحد موانئ دولة افريقية ورغم كل الإجراءات الاحترازية من جانب إسرائيل وحرصها على سرية خط سير الحفار تمكن الفريق المصرى من مصادر سرية أن الحفار سيتوقف فى داكار بالسنغال.
فجأة أطلق الحفار صافرته معلنا تحركه لمغادرة المكان بعد ان قام «نسيم» باستطلاع موقع رسو الحفار واكتشف أنه يقف بجوار قاعدة بحرية فرنسية مما يصعب من عملية تفجيره وبعد وصول الضفادع البشرية بقيادة الرائد خليفة جودت عادوا على نفس الطائرة الفرنسية إلى باريس وحتى يبدو الأمر طبيعيا تم افتعال مُشكلة مع مكتب تسجيل المُناقصات الحكومية السنغالية بالاعتراض على الرسوم الباهظة مقابل تسجيل طلب مناقصة المشروع لتسجيل طلبهم.
بعد العودة للقاهرة توفرت المعلومات ان الحفار وصل أبيدجان عاصمة ساحل العاج، ومرة أخرى تعود نفس ذات المجموعة إلى باريس ومنها إلى ساحل العاج بقيادة «قلب الأسد» الذى اصطحب معه بعض المعدات التى تستخدم فى تنفيذ العملية ليصل إلى أبيدجان فجرا مما أتاح له أن يلقى نظرة شاملة على الميناء من الجو واكتشف وجود منطقة غابات مطلة على الميناء تساعد فى الاختفاء والتحرك منها للحفار المتواجد على بعد 1 كم. . تم تنفيذ العملية بنزول الضفادع البشرية المصرية من منطقة الغابات وتلغيم الحفار وفى الساعة السادسة صباح 8 مارس 1970 ومع بزوغ أول ضوء للنهار على سطح المُحيط الأطلسى هزت الانفجارات المُتتالية مدينة أبيدجان النائمة بقوة الزلزال العنيف.
وبمقر إقامة المصورين بالفُندُق استيقظ فريق العملية بشكلٍ يبدو للجميع انه طبيعيا وتناولوا الإفطار ثم انطلقوا إلى عملهم الذى حضروا من أجله لتصوير أدغال ساحل العاج وبعد ساعات معدودة اختفى الفريق تماماً ما عدا نسيم الذى مكث لنهاية الأسبوع فى أبيدجان.. واذا برسالة النصر التى أرسل بها «قلب الأسد» من أبيدجان إلى القاهرة تقول: «مبروك للحاج».
رسخت لعقيدة «الجيش والشعب إيد واحدة »
معركة شدوان .. درس لن ينساه العدو
36 ساعة قتالاً.. منعت إسرائيل من اقتحام الجزيرة
تعد معركة «شدوان» من أبرز العمليات التى قامت بها قوات الصاعقة ضد العدو الإسرائيلى فى يناير 1970 ومنع العدو من اقتحام الجزيرة بكل شجاعة وبسالة بعد هجوم عنيف من القوات الإسرائيلية على الجزيرة جوا وبحرا، وهاجموا مساكن المدنيين الذين يقومون بإدارة فنار الجزيرة ضد مجموعة صغيرة من قوات الصاعقة المصرية لحراسة الفنار الذى يقع جنوب الجزيرة، بمعاونة أبناء المحافظة الذين لم يتخلوا عن قواتهم المسلحة وقاموا بتوصيل الذخائر والمؤن والأسلحة فى مراكب الصيد من شاطئ الغردقة إلى جزيرة شدوان الذى استمر القتال بها 36 ساعة كاملة سطر خلالها رجال الصاعقة المصرية وأبناء مدينة الغردقة ملحمة تاريخية لصد العدوان الإسرائيلى عن الجزيرة، وأصبحت ذكراها عيداً قومياً لمحافظة البحر الأحمر.
هاجم جنود الاحتلال الجزيرة بكتيبة من المظليين فجرا وتصدت لهم سرية من فرقة الصاعقة المصرية بينما كانت معارك حرب الاستنزاف تدور بين القوات الإسرائيلية وقواتنا المسلحة، فى عدة مواقع على طول جبهة القتال واستمرت الاشتباكات بين كتيبة المظلات الإسرائيلية وأفراد الصاعقة المصرية حتى أخذت قوات العدو فى التقدم لاقتحام مواقع قوة الحراسة فى جنوب الجزيرة، مطالبين القوات المصرية بالاستسلام تحت ضغط القصف الجوى العنيف، إلا أن القوات المصرية رفضت بقوة وقاتلوا ببسالة وشجاعة، واستمر العدو فى محاولاته للسيطرة على الجزيرة ومنع الإمداد الذى يأتى للجنود المصريين من خلال البحر، لكنهم فشلوا رغم تفوقهم العددى والقصف الجوى العنيف والإمدادات الكثيرة التى كانت تأتى إليهم.
وقد أعلنت مساء ليلة القتال الأولى أن قواتهم «لا تجد مقاومة على الجزيرة» إلا أنهم اعترفوا بالحقيقة أن القتال مازال مستمرا على الجزيرة وأن الجنود المصريين يتصدون بقوة للقوات الإسرائيلية ويقاتلون بضراوة شبرا بشبر للاحتفاظ بالجزيرة مهما كانت التضحيات وأبرزت المعركة مدى بطولة المقاتل المصرى، وبلغ من عنف المقاومة المصرية أن القوات الإسرائيلية لم تتمكن طوال 36 ساعة قتالاً من الاقتراب من القطاع الذى يتمركز به الرادار البحرى المصرى على الجزيرة.
وجاءت التعزيزات الجوية والبحرية لقوة الصاعقة المصرية فى اليوم التالى للقتال وقصفت الطائرات المصرية المواقع التى تمكن العدو من الوصول أليها بجزيرة شدوان، فى الوقت الذى قامت فيه البحرية المصرية دورها فى تعزيز القوات المصرية على الجزيرة، وهو ما أدى لانسحاب القوات الإسرائيلية من جزيرة شدوان المنطقة الصخرية المنعزلة لمساحتها 61 كيلو متراً على مقربة من مدخل خليج السويس وخليج العقبة بالبحر الأحمر، وعليها فنار لإرشاد السفن ورادار بحرى وتبعد عن الغردقة 35 كيلو مترا و 325 كم عن مدينة السويس الباسلة.
رجال الصاعقة يقتحمون النقاط الحصينة
«التبة المسحورة».. بطولة وجسارة
أبطال الصاعقة قتلوا 5 إسرائيليين.. وأسرو آخر وهرب السابع إلي نقطة البوليس الدولى
تعد عملية الإغارة لرجال الصاعقة المصرية على إحدى نقاط العدو الحصينة المسماة «التبة المسحورة» جنوب البحيرات المرة الصغرى فى أبريل 69 بنطاق الجيش الثالث الميدانى من أعظم العمليات البطولية لرجال الصاعقة المصرية والتى جاءت كنتيجة لفتح شهية ابطال القوات المسلحة المصرية بعد نجاح معركتى رأس العش وتدمير «إيلات» الاسرائيلية وهو ما دعا القيادة العامة للقوات المسلحة بعد ذلك بتكليف رجال الصاعقة بعبور قناة السويس والإغارة على إحدى نقاط العدو المحصنة بسريتى مظلات ودبابات بهدف خطف أسير إسرائيلى وتم تنفيذ العملية بكل بطولة وجسارة.
بدأ تنفيذ العملية بتحرك القوارب وتم الدخول من اتجاه الشرق وكانت النقطة على يسار المجموعة وتشكلت المعركة بمجموعات اقتحام ومجموعات ساترة، وعند دخول المكان تم فتح ثغرة يدويا وتوزعت المجموعة على النقطة المكونة من ثلاث دشم، وكانت مجموعات القطع قد لغمت مدق الدبابات، وعند الاشتباك مع أفراد الكمين المكون من 7 أشخاص تمكن الابطال من قتل 5 أفراد وآسر اخر وهرب السابع إلى نقطة البوليس الدولى، وتمت العودة بأسير.
نجح الابطال فى تنفيذ المهمة بالتحرك نحو النقطة القوية للعدو ومهاجمتها من اتجاه الشرق وتم التعامل مع كمين للعدو بجانب النقطة القوية على الساتر الترابى وتم إلقاء قنبلة على أفراد العدو وتمكن رجال الصاعقة من قتلهم واقتحام الكمين وقتل جميع أفراده، وتم خطف أسير إسرائيلى يدعى آدمون مراد أهارون ليكون أول أسير إسرائيلى خلال معارك الاستنزاف.