وقف الخلق جميعًا ينظرون .. كيف ابنى قواعد المجد وحدى
القصبجى أسس فرقتها الموسيقية.. والسنباطى أهداها مائة لحن
عندما تحب أن تستمع إلى اغنية وطنية لن تجد افضل من صوتها وهى تشدو وقف الخلق ينظرون جمعياً كيف ابنى قواعد المجد وحدى ولن نجد اقوى من نبرتها وهى تغنى «والله زمان يا سلاحى.. وعندما تبحث عن الحب لانجد أرق منها وهى تغنى «هل رأى الحب سكارى مثلنا.. انها صوت مصر ..وكوكب الشرق أم كلثوم التى تحيى مصر اليوم الذكرى الـ 50 لرحيل أم كلثوم، أشهر وأجمل وأفضل وأقوى صوت غنائى طربى فى القرن العشرين والذى تفوقت به على أساطين الغناء ومطربيه من الذين عاصروها، وحتى من جاء بعد رحيلها، هى نجمة النجوم صاحبة الحنجرة الذهبية، بل هى أسطورة غنائية حية حتى بعد رحيلها، والصوت الوحيد الذى تعلق به جموع الشعب المصرى والعربى طيلة حياتها من المحيط حتى الخليج، إذ كان ينتظر حفلاتها الشهرية التى كانت تقام فى ليلة الخميس الأول من كل شهروالمذاعة على الهواء مباشرة منذ بدء انطلاق الإذاعة المصرية عام 1934، فكان الجمهور يلتف على مدار 40 عاماً حول أجهزة « الراديو» فى المقاهى الشعبية ومنازل كبار القوم وقصور الأثرياء الفخمة، ليستمع إليها عبر البرنامج العام وصوت العرب والشرق الأوسط.
وهى صاحبة الألقاب العديدة من كوكب الشرق لسيدة الغناء العربى لصاحبة العصمة لثومة.. وأكثرها تداولاً لقب «الست» فقد كان رجل الشارع الذى أغرم بها أطلق عليها هذا اللقب، فلم تتفق شعوب الأمة العربية على صوت مثلما إتفقوا على صوت أم كلثوم، فقد عبر صوتها وأغانيها عن أمال وأحلام الشعب العربى فى كل مراحل حياته الصعبة من انتصار وانكسارات وشعور بالفخر والعزة والكرامة، بل إن مجلة « نيوزويك « ذكرت أن صوت أم كلثوم هو الصوت المفضل المحبوب فى جميع أنحاء الشرق الأوسط .
وعلى المستوى الدولى وضعتها إحدى المجلات الأمريكية المتخصصة فى الموسيقى «رولينغ ستون» ضمن قائمة أعظم 200 مطرب فى التاريخ واحتلت رقم (60) فى تلك القائمة.
الميلاد بالسنبلاوين
ولدت أم كلثوم إبراهيم البلتاجى وسط أسرة فقيرة محدودة الدخل فى 4 مايوعام 1898 بقرية طماى الزهايرة مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، أى أنها توفيت عن عمر 77 عاماً، بينما هناك مصادر تردد أنها ولدت فى مايو عام 1908، وأخرى تشير إلى أنها ولدت عام 1904، والطريف ان اختلاف وتحديد يوم الميلاد حدث وهى كانت على قيد الحياة، وإن كانت أغلب المصادر تؤكد أن أم كلثوم ولدت فى 4 مايو 1898.
وكانت الأسرة تعيش فى بيت صغير مبنى من الطوب الطينى، والتحقت أم كلثوم بكتاب القرية وهناك تعلمت تلاوة القرآن ومن أبيها أيضاَ الذى كان يعكف على أن تقرأ القرأن أمامه ليصحح لها التلاوة، فحفظت أجزاء كثيرة من القرآن الكريم عن ظهر قلب، وساهم حفظها للقرآن وقراءته فى تعلم اللغة العربية ومخارج الألفاظ، وتصادف أن توفى الشيخ عبدالعزيز معلم كتاب القرية، فاضطرت لأن تنتقل لكتاب آخر فى قرية مجاورة، فكانت تسير مع شقيقها ثلاثة كيلومترات يومياً للكتاب الجديد.
الجلباب والقفطان
وكانت تقضى وقتها فى البيت باللعب مع عروستها التى صنعها لها شقيقها، وكانت تسمع أباها يعلم شقيقها غناء التواشيح والأناشيد والقصائد، ومع تكرار والدها الغناء مع شقيقها كل يوم استعداداً لمشاركتهم فى المناسبات الدينية والسعيدة حفظت أم كلثوم تلك القصائد، فأخذت تردد وتغنى بعضا منها، ليفاجأ والدها يوماً بجمال وقوة صوت ابنته فانبهر بها واحتضنها فرحاً بمقدرتها على إتقان تلك الأعمال الغنائية الشديدة الصعوبة، فيقرر أن يأخذ إبنته معه فى الليالى الدينية والأفراح وسط اعتراض أمها، والتى رضخت للأمر بعدما قام بكساء ابنته ملابس صبى من جلباب وعقال وقفطان ليتجنب رفض الأم والجمهور من أبناء القرية فى أن تغنى بينهم فتاة صغيرة، وتشجيعاً لابنته فى الاهتمام بالغناء معه ووعدها بان يشترى لها طبق مهلبية عقب كل حفلة، لتسعد الطفلة بالأمر وبطبق «المهلبية» والذى اعتبرته فيما بعد أول أجر لها!!.
وسرعان ما اشتهرت الطفلة الصغيرة ام كلثوم بجمال صوتها، فحرص والدها على تشجيعها وان تحفظ جميع الاناشيد الدينية التى كان يرددها مع اخيها خالد، كما اصطحبها معه فى جميع الحفلات التى كانا يذهبان اليها، فطافت معه جميع القرى المجاورة وسط تشجيع اهلها، وفى إحدى المرات أعجب أحد الُأثرياء بجمال صوتها فأهداها عشرة قروش فضية.
ومع ازدياد الشهرة بدأت م كلثوم تخرج من حدود القرى المجاورة للمدن والمحافظات القريبة من السنبلاوين، ثم بدأت تنتقل من أداء الأناشيد الدينية التى اعتادت على تقديمها للأغانى باللهجةالعامية وبمصاحبة فرقة صغيرة من التخت الشرقي، وبدأت تسمع كثيراً عن المدينة الكبرى القاهرة التى بها كل ألوان الحضارة ومباهج الحياة وأثرياء أغنى مما شاهدتهم فى القرى والمدن، تلك المدينة التى لم يزرها والدها أبداً، فبدأت تحلم بتلك المدينة الساحرة التى تضم أقطاب وسلاطين الموسيقى والغناء، حتى جاء عام 1921 لتصل شهرتها القاهرة، عندما وجه لها حينذاك عزالدين يكن باشا دعوة لمنزله لإحياء ليلة الإسراء والمعراج، فسافرت لأول مرة مع أبيها وشقيقها لإحياء تلك الليلة بقاهرة المعز، لتتألق أم كلثوم وتبهر الحضور بصوتها، حتى أن زوجة يكن باشا أعطتها خاتماً ذهبياَ وثلاثة جنيهات كمكافأة بخلاف أجر الفرقة، لتحرص بعدها على تلبية دعوات حفلات أثرياء القاهرة.
جاءت زيارة أم كلثوم الأولى للقاهرة بناءً على نصيحة الشيخ أبوالعلا محمد، لتتأكد من صدق النصيحة حيث وجدت نفسها فى مدينة تختلف عن اى مدينة اخرى سافرت إليها، كما شعرت أن الأجواء الفنية تختلف تماماً عن ما شاهدته فى اسفارها، فوضعت فى ذهنها أن تستقر يوماً ما فى القاهرة، وسرعان ما وافق والدها واقتنع برأيها، فانتقلت الأسرة الصغيرة فى العام التالى 1922 تاركة السنبلاوين لتستقر فى عاصمة الفن والغناء، وتبدأ أولى محاولاتها فى مواجهة الجمهور القاهرى بالغناء على مسرح البوسفور بميدان رمسيس، ثم غنت على مسرح حديقة الأزبكية، ثم كانت أول مواجهة عام 1923 .
أحمد رامي
جاءت نقطة التحول فى حياة أم كلثوم عام 1924 عندما التقت لأول مرة مع الشاعر أحمد رامى فى إحدى الحفلات التى كانت تحييها، عندما أصر أبوالعلا محمد أن يصطحب معه الشاعر الشاب فى حفل لأم كلثوم خاصة أنه كان يعلم بغنائها لإحدى قصائده «الحب تفضحه عيونه» من أشعاره، فكان يستمع إليها فى انسجام مستمتعاً بصوتها، فشعر أنه وجد مبتغاه ومن يعبر عن أشعاره وكتاباته، وبعد الحفل دار حديث بينهما تعهد خلالها بأن يعلمها أصول اللغة والشعر حتى تزداد مهارتها الغنائية، فتوطدت العلاقة بينهما وارتبطا معاً بمسيرة فنية طويلة حتى رحيلها لتغنى أغلب أعمالها من أشعاره ويحتل المركز الأول من شعراء أغنيات أم كلثوم.
أقدمت أم كلثوم فى نفس العام على خطوة هامة زادت من شهرتها ونجوميتها عندما تعاقدت مع شركة «أوديون للإسطوانات» على طرح أعمالها الغنائية مقابل 50 جنيهاً عن كل اسطوانة، فى الوقت الذى كان يحصل المطرب محمد عبدالوهاب على عشرة جنيهات فقط فى الإسطوانة الواحدة، وكانت أول إسطوانه لها «وحقك أنت المنى والطلب» من ألحان الشيخ أبوالعلا محمد وبيع منها ما يقرب من 20 ألف إسطوانة.
6 أفلام سينمائية
قدمت سيدة الغناء العربى أم كلثوم 6 أفلام غنائية للسينما المصرية والعربية على مدار 11 عاماً لعبت جميعها بطولاتها أمام نجوم السينما فى ذلك الوقت، بينهم أربعة أفلام من إخراج أحمد بدرخان، بينما كان أول أفلامها للمخرج الألمانى فريتز كرامب، بينما كان فيلمها الخامس للمخرج الأيطالى الأصل توجو مزراحي، وتميزت أفلامها بما تحتويه من الدراما والغناء وأيضاً الاستعراضات.
بدأت أم كلثوم مشوارها السينمائى بفيلم بفيلم «وداد» عام 1936 عن قصة لصديقها الشاعر الغنائى أحمد رامي، من إخراج الألمانى فريتز كرامب .
أما أخر أفلامها التى لعبت بطولتها فيلمها السادس والأخير «فاطمة» عام 1946 عن قصة للكاتب مصطفى أمين وإخراج أحمد بدرخان، وبطولتها مع أنور وجدي، وغنت فى هذا الفيلم 9 أغانٍ أشهرها: حقابله بكره – يا صباح الخير يا اللى معانا – جمال الدنيا.
صاحبة العصمة
كانت شهرة أم كلثوم قد بدأت فى عهد الملك فؤاد الذى غنت له «حفظ الهوي»، وضمن أبياتها «أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا، ملك الفؤاد فما عسى أن أصنعا»، كما دأبت على الغناء فى عيد ميلاد الملك فاروق، وأيضاً فى عيد جلوسه على عرش مصر، وفى عام 1944 منحها الملك فاروق وسام الكمال، الذى يُمنح للأميرات فقط لتحمل لقب «صاحبة العصمة»، وكانت أم كلثوم تحيى حفلاً فى ليلة العيد حضره الملك فاروق، وبينما كانت تغنى «ياليلة العيد» قامت بتبديل بعض الأبيات بأبيات وكلمات أخرى فى مدح الملك.
وبعد القضاء على الحكم الملكى عام 1952، قام رجال الثورة باستبعاد كل من كانت له علاقة بالحكم الملكى السابق، فتم تنحية أم كلثوم من منصبها كنقيبة للموسيقيين وهى النقابة التى قامت بتأسيسها عام 1943 وتولت رئاستها منذ ذلك التاريخ، وتم منع إذاعة أغانيها نهائياً باعتبارها من مطربات العهد البائد الفاسد.
انتبه جمال عبدالناصر لعدم إذاعة الإذاعة المصرية أغانى أم كلثوم، عندما اتصل به الكاتب الصحفى مصطفى أمين فى شهر سبتمبر أى بعد شهرين من قيام ثورة يوليو 1952، فألغى عبدالناصر قرار إيقاف إذاعة أغانى أم كلثوم على الفور خاصة وأن قرار منع إذاعة أغانى أم كلثوم لم يكن قرار مجلس قيادة الثورة لكنه قرار فردى من الضابط المكلف بالإشراف على الإذاعة، فأمر عبدالناصر بإعادة إذاعة أغانى ام كلثوم، وقام بتشكيل وفد من الضباط برئاسته وزيارتها فى فيلتها بشارع أبوالفدا بالزمالك ومعه عبدالحكيم عامر وصلاح سالم، واعتذر لها مؤكداً بأنها قيمة فنية أكبر من تلك القرارات، وأقنعوها بالعدول عن قرارها بالاعتزال، لتعود أم كلثوم للغناء مرة أخرى بل وتغنى لعبدالناصر ومصر أجمل وأقوى الأغانى الوطنية.
تأثرت أم كلثوم بموقف جمال عبدالناصر وزملائه، وأعجبت بعبدالناصر إعجاباً شديداً كقائد للثورة، وأيدته فيما بعد فى قراراته ومواقفه، وغنت له أجمل الأغانى منها: يا جمال يا مثال الوطنية..أجمل أعيادنا المصرية برياستك للجمهورية، بعد الصبر ما طال نهض الشرق وقال، حققنا الآمال برياستك يا جمال، كما غنت أنشودة الجلاء، ومصر التى فى خاطري، وأغنيتها الشهيرة «أصبح عندى الآن بندقية» التى ألهبت بها حماس المصريين، ودوى صوتها مع الأحداث التى عاشتها مع مصر فى عصرها فغنت «ذكرى سعد»، و»فرحة القنال» وغيرها من الأغانى الحماسية.
كما غنت لجمال عبدالناصر بعد تنحيه عن الحكم وعودته بناءً على رغبة الشعب أغنية «حبيب الشعب»، و غنت «طوف و شوف» أمام جمال عبد الناصر والرئيس السوفيتى خورتشوف، وعندما مات عبدالناصر فى سبتمبر عام 1970 رثته بأغنية (رسالة إلى الزعيم) تأليف نزار قبانى وألحان رياض السنباطي.
والله زمان ياسلاحي
وإثر العدوان الثلاثى على مصر فى أكتوبر عام 1956، وعقب الغارات المتتالية ذهب إلى منزلها الملحن الشاب كمال الطويل، وقدم لها بحماس شديد لحنه نشيد «والله زمان يا سلاحي» كلمات الشاعر صلاح جاهين، فأعجبت به ام كلثوم وحفظت النشيد فى نفس الليلة على ضوء الشموع، وقررت تسجيله فى اليوم التالى بإستوديوهات الإذاعة المصرية بشارع الشريفين، إلا أن الموسيقيين والعازفين من أعضاء فرقتها رفضوا الذهاب لإستوديوهات الإذاعة خوفا من تهديدات إسرائيل بضرب الإذاعة المصرية، ومع إصرار أم كلثوم رضخ الموسيقيون وذهبوا للإذاعة وسجلوا النشيد الحماسى الذى أصبح نشيداً قومياً لمصر لأكثر من 20 عاماً بعد أن اقتنع عبدالناصر بأن هذا النشيد هو الأصلح لتلك المرحلة من تاريخ مصر فتم اعتماده، ولكن الرئيس أنور السادات أبدله بالنشيد الحالى «بلادى بلادى لكى حبى وفؤادي» بعد عودته من توقيع إتفاقية الصلح «كامب ديفيد» مع إسرائيل.
ومن واقع حبها لمصر ولعبدالناصر والمسئولية طافت الدول العربية ودول العالم لتتبرع بعائد حفلاتها الموسيقية لصالح المجهود الحربى وإعادة بناء الجيش المصري، فقد جاءت نكسة يونيو فى عام 1967 وهزيمة الجيش المصرى بمثابة صدمة لأم كلثوم مثلها مثل جميع أبناء مصر، فكانت من أوائل المطربين الذين شاركوا فى حفلات داخل مصر وخارجها للتبرع بإيرادتها للجيش المصري.
كانت تعانى من مشاكل عديدة بحكم تقدمها فى سنوات العمر، وبدأت صحتها تسوء عام 1971 فإنقطعت عن تقديم الحفلات، وكان آخر وقوف لها على المسرح عام 1972 عندما غنت فى 17 نوفمبر «ليلة حب» لتكون الأغنية أخر لقاء لأم كلثوم مع جمهورها حيث سافرت بعدها إلى أوروبا وأمريكا فى مرات عديدة للعلاج من أمراضها المختلفة وخاصة التهاب الكلي، فأثناء قيامها ببروفة أغنية «أوقاتى بتحلو معاك.. وحياتى بتكمل برضاك» سقطت من آلام مرض إلتهاب الكلي، فسافرت الى لندن لتلقى العلاج لتكون بداية رحلاتها العلاجية خارج مصر.
وفى يوم الأثنين 3 فبراير 1975 عند الرابعة مساءً توفيت أم كلثوم فى مستشفى المعادى بسبب قصور القلب عن عمر يناهز 76 عاماً، وأذيع نبأ وفاتها بإذاعات الشرق الأوسط والبرنامج العام وصوت العرب، وظهر يوسف السباعى على شاشة التليفزيون فى السادسة مساءً ليلقى النبأ، بينما وقف سيد مرعى رئيس مجلس الشعب دقيقة حداداً داخل انعقاد المجلس، وشُيّعت جنازتها من مسجد عمر مكرم، وكانت جنازةً مهيبة من أكبر الجنازات فى العالم إذ وصل عدد المشيعين إلى 4 ملايين شخص، كما نشر خبر وفاتها فى كبريات الصحف ووسائل الإعلام العالمية.
330 أغنية
قدمت أم كلثوم تمثل تاريخها الفنى أكثر من330 أغنية وقصيدة على مدى أكثر من 50 عاماً بدأتها منذ عام 1924، وفى حقبة العشرينات قدمت 44 أغنية .