لست مندهشاً ولا مستغرباً من الفيتو الأمريكى «المتجدد المتكرر» بمجلس الأمن ضد الاعتراف بعضوية فلسطين الكاملة فى الأمم المتحدة، لأن الصورة واضحة وضوح الشمس فى رابعة النهار، فموقف واشنطن لم يكن خافياً وتعلنه صراحة فى كل وقت وتعارض كل خطوة فى صالح القضية الفلسطينية، وعلى العكس تدعم وتؤيد كل ما هو فى صالح إسرائيل وهى تعلم علم اليقين أنها على باطل، لكن المصالح تتصالح.
كنت على يقين قبل التصويت على القرار أن أمريكا لن تسمح بتمريره، وليس ذلك من باب التنجيم ولكن استقراء للتصرفات الأمريكية، بل إن واشنطن سربت عمداً قبل جلسة مجلس الأمن أنها لن توافق على القرار، فكانت الجلسة تحصيلاً حاصلاً فى نتيجتها، لكنها لم تخل من فوائد، إذ أظهرت مواقف الدول الأعضاء فى المجلس، فقد صوت لصالح فلسطين 12 دولة، وامتنعت بريطانيا وسويسرا، واعترضت أمريكا.
كان من الطبيعى أن يشيد وزير الخارجية الإسرائيلى بالقرار، لكن غير المقبول وغير المعقول أنه لم يقف عند هذا الحد، بل تطاول على مجلس الأمن وقال إن «التحدث إلى هذا المجلس يشبه التحدث إلى جدار من الطوب»، وهذا ليس مستغرباً منه فإنهم يهاجمون كل من ينطق بكلمة حق، وكان فى مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة عندما زار رفح المصرية واطلع عن قرب على الوضع الكارثى فى غزة، وعندما رفض الممارسات الإسرائيلية ناله نصيب وكيل من الانتقادات بل والتهديدات.
بالطبع الموقف المصرى من القضية الفلسطسنية واضح ولا يحتاج إلى شرح، ولم يكن هناك من ضحى وحارب وأيد وساند القضية الفلسطينية مثل مصر، وأوضحت فى بيان لوزارة الخارجية عن أسفها البالغ إثر عجز مجلس الأمن على استخدام الولايات المتحدة الفيتو وقالت إن هذا الاعتراض يأتى فى توقيت حرج تمر فيه القضية الفلسطينية بمفترق طرق يحتم على الدول تحمل مسئوليتها التاريخية باتخاذ موقف داعم وخلق أفق سياسى حقيقى لإعادة اطلاق عملية السلام بهدف التسوية النهائية للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.
إنه ليس من المعقول ونحن فى القرن الواحد والعشرين أن تكون فلسطين هى الدولة الوحيدة فى العالم التى ما زالت ترزخ تحت نير الاحتلال، ولا شك أنها تقترب من الحصول على حقها الطبيعى مثل كل الدول إذ إن هناك 137 من الدول الأعضاء فى الأمم المتّحدة البالغ عددها 193 دولة اعترفت حتى الآن بدولة فلسطين.
بكل أسف يواصل الفيتو الأمريكى الوقوف حائط صد فى وجه القضية الفلسطينية العادلة، ويعتبرعدواناً صارخاً ويكرس استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، ويشجّع على استمرار حرب الإبادة ضد الفلسطينين، وانحيازاً أعمى ودعما لجرائم حكومة الاحتلال ضد الشعب الأعزل الذى يتساقط منه أعداد كبيرة من الشهداء يومياً فى مجازر مستمرة منذ سبعين عاما، وأصبحت فى الشهر الأخيرة خارج الوصف من بشاعتها.
وهذه هى المرة الخامسة التى تستخدم فيها الولايات المتحدة حق النقض منذ بداية الحرب على غزة، ليظهر الأمريكيون ويؤكدون مجدداً ما يؤمنون به تجاه الفلسطينيين، وفى مغالطة جديدة، يزعم الأمريكان أنه لم يكن هناك إجماع بين أعضاء «لجنة قبول الأعضاء الجدد» حول ما إذا كان مقدم الطلب يستوفى معايير العضوية، وعلى نفس النهج بقول الشيء ونقيضه قالت واشنطن إنها تواصل دعمها القوى لحل الدولتين.
المجتمع الدولى –الذى لا أعول عليه كثيراً– مطالب بتحمل مسئولياته القانونية والتاريخية من أجل تحقيق حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، وبذل أقصى الجهود لحماية الشعب الأعزل ومقدراته وحقوقه المشروعة.