هى الزيارة العاشرة من نوعها التى سيتوقف أمامها التاريخ طويلًا وترصد رؤية زعيم آمن بوطنه وكرس حياته دفاعًا عنه، فلم يدخر جهدًا حفاظًا على أمنه وتماسكه واستقراره، وأولى ركائز هذا الاستقرار تكمن فى بناء الدولة الوطنية الحديثة، دولة «المواطنة» التى تتسع لكل أبنائها وتحترم مكوناتها وتتخذ من التنوع مصدرًا لقوتها وليس العكس.
فى ليلة السادس من يناير 2025 قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيارة كاتدرائية «ميلاد المسيح» للمشاركة فى جانب من احتفالات عيد الميلاد المجيد.
إنها الزيارة السنوية التى أصبحت تقليدًا رئاسيًا راسخًا رفيع المستوي، و«سُنة حميدة» استنها الرئيس منذ تهنئته الأولى التى حرص على تقديمها بنفسه عام 2015، واستمرت طيلة السنوات الماضية حتى باتت جزءًا من ثوابت الاحتفال بالعيد، وملمحًا رئيسيًا من ملامحه.
فى هذه الليلة تحدث الرئيس من القلب، وجاءت كلماته لتعبر بصدق عن جوهر الشخصية المصرية الأصيلة التى يسعى الرئيس لاستجلاء مكنوناتها وإحياء مآثرها بكل ما تتميز به من تسامح ومحبة وإخاء، وكانت النتيجة الطبيعية لهذا المشهد الراقى أن احتفل المصريون – فى كل ربوع الوطن – بعيد الميلاد المجيد فى أجواء شعبية سادتها الفرحة الحقيقية والمحبة الصادقة والمشاعر الفياضة.
إن التحليــــل المتعمــــق لكلمـــــات الـرئيس عبدالفتاح السيسى يكشف أننا أمام 5 رسائل رئاسية قدم خلالها الرئيس رؤية واضحة لملامح المستقبل وتناول من خلالها تحديات الواقع داخليًا وخارجيًا.
بدأ الرئيس حديثه قائلًا: كل عام وأنتم طيبين، واحنا كلنا بخير وسلام، إن شاء الله عام سعيد، وسنة إن شاء الله تبقى بفضل الله سبحانه وتعالى أفضل من السنوات التى فاتت، واسمحوا لى أقول لكم كلمتين: أنا أتابع كل الأمور، وأشوف كل ردود الأفعال والقلق، والقلق يمكن يكون مبررًا.
ثم وجه الرئيس فى كلمته خمس رسائل للداخل والخارج جاءت على النحو التالى:
< الرسالة الأولى: ربنا موجود
قال الرئيس: إحنا مش ناسيين إن فيه رب، وإن ربنا يحفظنا كلنا، والدنيا مش متسابة كده. كلنا مؤمنون بوجود الله، ونعلم إن ربنا موجود، وأنه لا أحد يستطيع أن يعمل شيئًا فى الوجود إلا بأمر الله.
< الرسالة الثانية: رصيد المحبة ومخزونها
قال الرئيس: يجب علينا كمصريين أن نأخذ بكل الأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية لها تتحقق من خلال محبتنا لبعضنا البعض. مخزون المحبة، رصيد المحبة، حجم المحبة بين المصريين يزيد يومًا عن يوم، وهذا أمر آخر يوضع فى الاعتبار.
< الرسالة الثالثة: وعى المصريين
قال الرئيس: حجم الوعى والفهم الموجود عند المصريين ضخم جدًا، ويجعلهم فاهمين وشايفين ومستعدين لأن يتعاملوا مع أى أمر يرونه داخل مصر وخارج مصر.
< الرسالة الرابعة: شرف الإدارة ونزاهتها
قال الرئيس: إحنا كدولة، وأنا كمسئول عنكم، نتعامل مع الأمور بشرف كبير، وأمانة كبيرة، ونزاهة كبيرة.
أضاف: لو كان المسئول عنكم إنسان «مش كويس» خافوا على بلدكم.
< الرسالة الخامسة: مصر دولة كبيرة «أوى»
قال الرئيس: مصر دولة كبيرة «أوى».
وكررها الرئيس 3 مرات .. واختتم بقوله كل سنة وأنتم طيبين، وعيد سعيد، وإن شاء الله الأيام القادمة تبقى أفضل.
مفهوم الدولة
رسائل الرئيس السيسى تضع النقاط فوق الحروف، وتنطلق من قراءة علمية واقعية لمفهوم إدارة الدول، فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بدولة بحجم وقدر مصر؟
تنطلق رؤية الرئيس السيسى فى إدارة شئون البلاد من فلسفة رئيسية قوامها:
1 – ترسيخ أركان «الدولة الوطنية» باعتبارها الركيزة الأولى للأمن القومى المصرى الذى يضمن استقرار المجتمع وثباته وتماسكه.
2 – الحرص على دولة «المواطنة» التى تحقق العدل وترعى مبادئ المساواة بين مواطنيها فى الحقوق والواجبات، وليست دولة «المحاصصة والأطياف العرقية والمذهبية» التى نرى صورها فى العديد من دول المنطقة، وما يحدث فى سوريا والعراق خير دليل.
لقد قالها الرئيس بوضوح شديد: «أنا باوجه من خلالكم رسائل للداخل والخارج»، وهى عبارة واضحة حينما نضعها إلى جوار ما قاله الرئيس فى ختام كلمته وكرره 3 مرات بقوله: «مصر دولة كبيرة أوى»، يتضح لنا مفهوم الرسالة ومغزاها لكل من تسول له نفسه التفكير – مجرد التفكير – فى تعطيل مسيرة الدولة المصرية.
ركيزة الاستقرار
إن «رصيد المحبة» يعد أولى ركائز استقرار مصر عبر تاريخها الضارب فى عمق الزمن، وهذا هو ما يركز عليه الرئيس ويوليه أهمية حقيقية بعد الإيمان بالله، حيث يرى الرئيس أن ما يجمع المصريين من تماسك وترابط وصفه بـ «رصيد المحبة»، يعد جوهر الوجود وسر بقاء المجتمع المصرى متماسكًا فى أصعب الظروف.
المصريون «سبيكة» عرقية واحدة، يستحيل أن تفرق فيها بين مصرى وآخر أو تعرف هويته الدينية إلا حينما يذهب هذا للمسجد ويتوجه ذاك للكنيسة.
فى مصر تتجاور المنازل والمساجد والكنائس، ويتشارك الجميع فى كل المناسبات.
«رصيد المحبة» .. كلمة السر التى رصدها الرئيس فى حديثه، وحائط الصد الحقيقى الذى يدفع عن المصريين غوائل التطرف، وحتى وإن وُجد فى حالات فردية ومحدودة، فإنه يبقى كالنغمة النشاذ التى لا تجد من يستحسنها أو يلتفت لها.
تهنئة الرئيس بعيد الميلاد المجيد أصبحت دستورًا عمليًا لحياة المصريين، وتقدم نموذجًا وقدوة حسنة لما يجمعنا من أواصر المحبة والتعايش المشترك، وقد تركت أثرها الطيب على حركة المجتمع فى كل ربوع الوطن.
حديث من القلب
الأنبا بيمن مطران قوص ونقادة يرصد أثر كلمة الرئيس بقوله: ننتظر زيارة الرئيس وكلمته فى هذا التقليد السنوى الجميل الذى نأمل أن يستمر بإذن الله، حيث يتحدث الرئيس من القلب دون تكلف، وينطلق حديثه من واقع ما يراه ويشعر به، ومن أجمل ما قاله الرئيس هذا العام: إن «مصر بلد كبيرة» فلا تخافوا لأنه لن يستطيع أحد أن يهزها، وهذه من أهم رسائل الطمأنينة التى وجهها الرئيس لكل المصريين.
وأضاف الأنبا بيمن: بعد أن قال الرئيس كلمته، أنا تحدثت للشعب هنا فى قوص ونقادة ونقلت لهم عندنا فى الصعيد ما قاله الرئيس، حيث إن كلمات الرئيس تنقل الطمأنينة لكل الشعب المصرى وليس الأقباط فقط.
وأوضح الأنبا بيمن أن كلمة الرئيس أحدثت تناغمًا بين الشعب المصرى كله بمسلميه وأقباطه، والحمد لله رأينا هذا العام مظاهرة حب إسلامية تجاه المسيحيين هنا فى قنا، وحرص أئمة المساجد وشيوخ الأزهر وشيوخ الأوقاف على أن يتولوا الاحتفالية، حيث كنت أوزع شيكولاتة ونتيجة الميلاد وعيدية خمسة جنيهات لكل من يزورني، فكانوا يقومون بذلك وتولوا توزيعها نيابة عنى وقالوا: النهارده اليوم يومنا.
أضاف: كانت هناك فرحة جميلة، وتعد مردودًا رائعًا رأيناه فى بلاد الصعيد، وأذكر أن إحدى السيدات أحضرت لى ولدين أحدهما يلبس ملابس شيخ ويمسك مصحفًا، والآخر يرتدى ملابس قسيس ويمسك بالصليب، وهذا يجعلك تفرح بما تراه .. لأنها مشاعر من القلب نراها بدون أى رتوش أو تمثيل.
واختتم الأنبا بيمن حديثه بقوله: كل سنة ومصر بخير .. وتحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر.
>>>
بالأمس احتفل المصريون بعيد الميلاد المجيد وسط مشاعر حب حقيقية وصادقة عبرت عن نفسها فى كل نقطة من ربوع الوطن، وبعد نحو شهر ونصف الشهر يحتفل المصريون جميعًا بشهر رمضان المبارك فى أجواء من المحبة والفرحة بحلول الشهر الفضيل، وما يرتبط به من أجواء إيمانية واجتماعية جميلة.
وهكذا تتجاور الأعياد والمناسبات، وتمتد الفرحة لكل المصريين. اليوم نفرح بالميلاد، وغدا نفرح بشهر رمضان، وبعده نحتفل سويًا بعيد الفطر المبارك، وهكذا تستمر الفرحة، فالأعياد كلها أعياد المصريين بلا أدنى تفرقة أو تمييز.
ودامت أفراح وأعياد المصريين.