ما أن توليت رئاسة القسم الفنى بالجمهورية حتى جاء يطلب نقله من قسم الاستماع والابحاث.. ورحبت بدون تفكير احتراما لحماسه البالغ.. وكل ما يتهرب الزملاء فى القسم لتغطيته يتطوع هو للقيام به.. وعندما وصلتنى الدعوة للمشاركة فى مهرجان مسرحى جرى تنظيمه فى بنى سويف.. طلب ان يسافر ولم يكن مضى على وجوده فى القسم سوى اياما قليلة.. وتسلم الدعوة بفرح بالغ دون ان يدرى انه ذاهب إلى موته.. حتى انى بحثت عنه بين اسماء الضحايا ولم أجده.. فلم يكن معروفا فى الوسط المسرحى وان جاء اسمه بعد ذلك فى مقدمة الشهداء الـ 50 الذين راحوا ضحية «شمعة» كانت ضمن العرض المسرحى «من منا» لفرقة نادى طامية بالفيوم.. لم اكن متأكدا انه سافر فقد كتب قبل العروض عن المعلومات المتاحة من المهرجان ومسرحياته ولجان تحكيمه.. ولما وقعت الكارثة سألت عن اسمه ولم اجده وبالمثل كانت اسرته تتابع معى وخاصة انه لم يعد إلى المنزل وبعد 48 ساعة تأكدنا ان ابراهيم الدسوقى قد راح ضحية حماسه لعمله مع 49 آخرين «5 سبتمبر 2005».
فى كل يوم سبت يأتى الجريدة لكى يسلم مقاله الذى يتصدر صفحة المسرح وهو نجمها الاول.. حتى قيل ان العرض الذى لا يشاهده احمد عبدالحميد ولا يكتب عنه فى الجمهورية كأنه لم يكن.
هو الناقد الكبير الشهير يسلمنى المقال ويطلب منى بكل تواضع ان اتصرف فيه بحكم مسئوليتى كما احب.. وكنت اخجل ان امد قلمى إلى ما كتب فقط اقرأ لكى اتعلم واسبق غيرى من القراء ولك ان تتصور مدى حضور جريدة الجمهورية فى المشهد الاعلامى عموما والفنى بصفة خاصة فقد كان مقال سمير فريد يزين صفحة السينما كل اربعاء وقد اختلف مع تامى ولكنى اتركه كما هو.. واكتب ما اريد بعيدا عنه.. وفى صفحة المسرح ايضا يتواجد المؤلف والمخرج والناقد حسن سعد وهو من الاسماء المعروفة فى الوسط المسرحي.
وعلى مدى 50 عاما ظل عبدالحميد يتابع كل العروض خاصة تلك التى تقام فى الاقاليم او العروض الصغيرة ومنها اكتشف عبلة كامل واحمد السقا واحمد آدم.. يفتش عن الجواهر فى مجالات التأليف والاخراج والديكور والموسيقى بمنتهى الاخلاص للمسرح وهو صاحب المقولة الشهيرة: عندما يصبح الضحك فى مسرح القطاع الخاص مسئولية الممثل هنا تكون المصيبة لان العرض ينحدر إلى التفاهة وهى تأتى من الضحك والتسطيح والفكاهة اللفظية او الجسدية لاستجداء الضحك عند الجمهور بكل السبل بصرف النظر عما يقال والمسرح اساسه كلمة.. والكلمة نور وبعض الكلمات تبور كما قال عبدالرحمن الشرقاوى فى مسرحيته الخالدة: الحسين ثائراً.. والعمل الجيد هو الذى يلتصق بالذاكرة مهما مضى عليه من السنوات.
مدحت أبوبكر
هوالبروفسير الذى حصل على درجة الدكتوراه عن كيفية علاج الادمان بالمسرح.. وقد جمع بين دراسته فى مجال علوم الاجتماع.. وبين الفن مؤلفا وناقداً وشاعراً وناقدا له وزنه.. اصدر العديد من الكتب عن التخريب والخطايا العشر لمسارح الهواة ومن مسرحياته «طائر الحب الجميل» محمد محيى وحنان ماضى اخراج مجدى الزقاريقي. «الحب والنار» اخراج السيد راضى بطولة محمد الحلو وتيسير فهمي، «ارض الهوي» اخراج فهمى الخولي.
عرفته بحكم انتمائى إلى جامعة حلوان «هندسة وتكنولوجيا» وتزاملنا لسنوات كضيوف على مجلة الكواكب نكتب اسبوعيا.. وكان معنا يوسف معاطى الكاتب المعروف.. فى ايام رئاسة رجاء النقاش للمجلة..فى كل مرة اقابل مدحت بابتسامته الحلوة أراه يعلن تحديه للوقت كأنه يعرف ان ساعة رحيله تقترب عليه ان ينجز ما يستطيع باسرع ما يمكن وقد فعلها بحضوره القوى كأستاذ جامعى صديق لطلابه وبما كتب هنا وهناك بكل جدية والتزام.
الباشمهندس حازم
سبقته إلى قطر عام 1986 ونحن نستعد لاطلاق جريدة الشرق وكنت مديرا لتحريرها قبل ان اتفرغ لاقسام الفنون بناء على طلبي.. ووجدت حازم شحاتة قد جاء والقيت اليه بقسم الثقافة.. وكان جديرا به.. وقد عرفته سابقا حين تجمعنى به صفة المهندس وكلانا تخلى عن هندسته فى سبيل فنه بل انه زاد على ذلك انه ذهب لدراسة النقد والمسرح اكاديميا وحصل على الماجستير وكان يتأهب للدكتوراه ولمع اسمه مؤلفا وناقدا له آراء جادة.. وجلس فى الصف الاول لمحرقة بنى سويف ينتظر قدره مع عبدالحميد ومدحت وابراهيم وباقى الزملاء والسؤال لماذا تحمل هولاء مشقة الذهاب إلى بنى سويف فى ظروف معيشية على «القد» وغيرهم من اهل المسرح لا يتحرك خطوة واحدة الا مع العروض الجماهيرية والاقامة فى فنادق الخمس نجوم.. لكن هؤلاء عندهم درجة الاحساس بالمسئولية تجاه الناس اكبر واشد.. يذهبون اليهم ويشجعونهم ويكتشفون مواهبهم.. ويدعمون تجاربهم ويضيفون اليهم من واسع خبراتهم ومعارفهم ويدفعون من جيوبهم بل ومن اعمارهم فى سبيل ما يؤمنون به لذلك تمر السنوات..والذكرى تلمع اكثر كلما ابتعدنا عنها.. لانها تجسد الظرف المسرحى والفنى والصحفى والنقدى بين ما كان وما هو كائن.
ولان المسرح المصرى لا يزال صامدا رغم قلة الامكانات.. فهو لاينسى هؤلاء ابداً.. وقد اصبحوا علامة من علامات التاريخ المسرحى بحلوه ومره وكم كان الوزير فاروق حسنى محترفاً عندما تقدم باستقالته على الفور إلى رئيس الجمهورية لاحساسه بالمسئولية ولكن مبارك طالبه بالاستمرار على أن يتم التحقيق ومحاكمة كل مسئول عن تلك الكارثة التى تشارك فيها وصول عربات الاطفاء متأخرة ومقرها على بعد امتار من المسرح المنكوب.. والمستشفيات التى خافت التعامل مع الحالات قبل التوثيق القانونى لما جري.
رحم الله شهداء المحرقة وشهداء كافة معارك حياتنا داخلياً وخارجياً وما أكثرها!!