لولا قوة وقدرة وصلابة الدولة المصرية، ما صمدت فى مواجهة «طوفان» التحديات والتهديدات والمخاطر فى المنطقة وما يجرى من صراعات فى العالم.. وهذه حقيقة ثابتة وراسخة يؤكدها الواقع الذى نعيشه.. فلأول مرة فى التاريخ المصرى يواجه الوطن حرائق وأزمات وصراعات على كافة الحدود من جميع الاتجاهات الاستراتيجية، وهو ما جعل بعض الذين يؤكدون أنهم لا يؤمنون بنظرية المؤامرة، باتوا على قناعة أن ما يحدث وما يحيط بمصر لم يأت اعتباطاً أو صدفة وفى وقت متزامن.. وهو الأمر الذى جعلهم يتخلون عن أفكارهم ومعتقداتهم السابقة.
الحقيقة التى لابد أن يعلمها القاصى والدانى من المصريين، أنه لولا ما تحقق خلال السنوات العشر الماضية من بناء الدولة الحديثة القوية القادرة، بعد انتشالها وإنقاذها من الضياع، ما كان لمصر أن تتحمل مثل هذه الظروف والتحديات الفارقة والمتلاحقة والمتزامنة.. وما يحيط بها من تهديدات وصراعات وما يحاك لها من مؤامرات وما يُمارس عليها من ضغوط وابتزاز وترويج للأكاذيب والمزاعم وحروب للتشكيك والتشويه والحصار الذى يحاولون فرضه عليها.. إلا أنها تقف راسخة ثابتة واثقة، لديها من القوة والقدرة والأوراق السياسية والدبلوماسية التى ترتكز على امتلاك قوة الردع الحاسم.
مصر لديها من الذكاء والحكمة وحسن الإدارة وعبقرية القيادة، وهو ما يمثل لديها قيمة مضافة إلى قوة وقدرة حافظت عليها دون أى مساس بثوابتها وأمنها القومى ودون انتهاك لسيادتها أو تعد على أرضها، وما يضمن عبورها إلى بر الأمن والأمان والسلام، رغم محاولات الاستفزاز والاستدراج والتعطيل.
الحقيقة أيضا، نحن أمام قوة وقدرة مصرية شاملة لا تتوقف فقط على القدرة الفائقة للدولة الوطنية ومؤسساتها، وفى مقدمتها جيش وطنى عظيم وقوى وقادر على ردع أى محاولات للمساس.. ولكن أيضا هناك مبادئ وحسابات أخرى لا تقل أهمية، وعلى رأس هذه المبادئ والأسس واعتبارات إدارة السياسة الخارجية والتعاطى مع المتغيرات الإقليمية والدولية، هو الاتزان الاستراتيجي.. هذا المصطلح أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسى ويجسد أعلى درجات الحكمة النابعة من قناعة وإيمان، والمرتكزة على القوة والقدرة والثقة فى النفس، فالتزام مصر اللامحدود بميثاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية والقانون الدولى يضفى على تحركاتها وسياساتها قوة بالغة، فهى تتصرف وتتحرك وتستجيب طبقاً لمحددات ومعايير الشرعية الدولية دون تجاوزها.. فقد ذهبت إلى الصومال بناء على طلب واستدعاء الحكومة الشرعية فى دولة الصومال، التى هى عضو فى الأمم المتحدة والاتحاد الافريقى والجامعة العربية، لتقديم الدعم والعون والخبرات للأشقاء، وبلغت سياساتها تجاه القرارات الأحادية الاثيوبية وتعنت أديس أبابا أعلى درجات النضج والشرعية الدولية بإجراءات قانونية تتماشى مع القوانين الدولية، لذلك توجهت مصر بخطاب إلى مجلس الأمن حول تطورات السد الاثيوبى وأكدت رفضها القاطع للسياسات الأحادية الاثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، التى تشكل خرقاً صريحاً لاتفاق إعلان المبادئ عام 2015 والبيان الرئاسى لمجلس الأمن الصادر فى 15 سبتمبر 2021.. هنا مصر تتحدث بالقانون الدولى والاتفاقيات المبرمة، وهو الأمر الذى يؤكد عظمتها كونها دولة كبيرة لا تتعامل بعشوائية أو قرارات أحادية، ولا تسعى لفرض أمر واقع يخالف القوانين والمبادئ الدولية المستقرة وهدفها تسوية أى خلاف بطرق سلمية وسياسية ودبلوماسية، حفاظاً على الأمن والاستقرار الإقليمى والدولي.
مصر أيضا ترفض أكاذيب وخزعبلات وتخاريف نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلى المتطرف الذى يضرب بعرض الحائط مبادئ القانون الدولى والإنساني.. وتؤكد مصر أن مواقفها ثابتة لا تتغير على الاطلاق، ولن تتنازل عن الاتفاقيات الراسخة والمستقرة، التى وقّعت عليها اسرائيل فى ذات الوقت أن ما كان قبل 7 أكتوبر 2023 من أوضاع سواء فى محور صلاح الدين «فيلادلفيا» أو معبر رفح الفلسطينى، لن يتغير على الاطلاق.. فلا مجال لبقاء قوات اسرائيلية فى محور صلاح الدين تنفيذاً لاتفاق 2005، وكذلك لا وجود لقوات اسرائيلية فى معبر رفح من الاتجاه الفلسطيني، ولا تعترف القاهرة إلا بوجود عناصر فلسطينية بإشراف السلطة الفلسطينية، وأنها لن تتعامل على معبر رفح سوى مع الفلسطينيين.
لغة العقل والحكمة والشرعية والالتزام بمبادئ القانون الدولى والقرارات الدولية، هى الأساس فى الموقف المصري.. ورغم أن مصر دولة قوية وقادرة، إلا انها الأكثر تمسكاً بثوابتها فى احترام الشئون الداخلية الدولية وسيادتها والالتزام بالاحترام المتبادل، ولا تحكمها فى ذلك عواطف أو شعارات أيديولوجية، ولكن المصلحة الوطنية.. فرغم تصاعد وتيرة الاستقطاب فى العالم فى ظل الصراعات الدولية والإقليمية، إلا أن مصر رفضت وبشكل قاطع الاستجابة للاستقطاب أو الدخول فى معسكرات وأحلاف مع قوى بعينها ضد قوى أخري، وتحتفظ بعلاقات قوية ترقى إلى درجة الشراكة الاستراتيجية مع الجميع وعلى مسافة متساوية، فتربطها علاقات قوية ومستقرة، مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى من ناحية، ومن ناحية أخرى نفس العلاقات الاستراتيجية مع الصين والهند وروسيا والبرازيل، وأيضا استعادت قوة العلاقات مع الأشقاء الأفارقة، خاصة فى ظل ترحيب الدول الافريقية بالنموذج المصرى للبناء والتنمية المستدامة، ودعم مصر لجهود التنمية فى القارة الافريقية، وباتت العلاقات المصرية– الافريقية فى أوج حالاتها بما تحتويه من مشروعات وخبرات ونوايا صادقة، وإنجازات حقيقية على أرض الواقع، فمصر ترحب وتدعم التنمية فى الدول الافريقية الشقيقة، بل وتساعد فيها.. وهناك المزيد من المشروعات والتعاون البناء بين مصر ودول القارة السمراء.
ولعل حالة التضامن العربى مع مصر ضد تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلى المتطرف نتنياهو بعد مزاعمه وأكاذيبه التى روجها ضد مصر، تكشف مدى عمق العلاقات المصرية مع الأشقاء العرب، وجاءت البيانات العربية الرافضة لتصريحات نتنياهو من السعودية والامارات وقطر والأردن والكويت، تجسد قوة العلاقات المصرية– العربية.. لذلك فإن مصر فى كافة دوائر سياساتها الخارجية وأمنها القومى فى حالة توهج وحضور قوى وعلاقات راسخة.
الاتزان الاستراتيجى ورباطة الجأش والثقة والثبات والاستناد إلى حكمة القوة، منح مصر العديد من المكاسب.. فلم تتورط فى صراع أو تُستدرج لمواجهة، ولم تغامر بأمن واستقرار البلاد، ولم تستجب لدعوات ومطالب الاستقطاب، ولم تتحرك الأحلاف والمعسكرات، وحصدت علاقات شراكة استراتيجية مع الجميع، حتى من هم فى حالة صراع وخلاف مع بعضهم البعض، فالدولة المصرية وقيادتها السياسية تبحث عن مصالح القاهرة وأهداف وتطلعات الشعب والحفاظ على أمن واستقرار البلاد ومواصلة البناء والتقدم فى عالم لم تعد فيه للأيديولوجيات مكان، ولا يعترف إلا بلغة المصالح.. لذلك فإن حصاد الالتزام بالشرعية والقانون الدولى وعدم الاستقطاب والاتزان الاستراتيجي، تجسد فى احتفاظ مصر بأمنها وأمانها واستقرارها وأرضها وسيادتها، دون أى خسائر أو استنزاف.. ومصر أيضا حققت من خلال دبلوماسية التوازن والعلاقات الاستراتيجية والتعاون وتبادل المنافع والمصالح، عوائد كثيرة ونجحت دبلوماسية الاقتصاد فى دعم أكبر مشروع للبناء والتنمية وتحقيق التقدم، من خلال الاستفادة من قدرات وإمكانيات وخبرات الدول المتقدمة على كافة الأصعدة التنموية، كما أن أهمية مصر فى دعم وترسيخ الأمن والاستقرار والسلام فى الشرق الأوسط، وما لديها من مقومات لقيادة المنطقة، شجع الدول الكبرى وفى مقدمتها دول الاتحاد الأوروبى على دعم مسيرتها التنموية، فالحفاظ على أمن واستقرار مصر، هو حفاظ على أمن واستقرار أوروبا، والقوى الكبرى تعول على القاهرة فى تحقيق أمن وسلامة المنطقة.