أثارت ثورات شرق أوروبا والدول العربية أسئلة عديدة ومشروعة حول الأمن القومى وكيفية حمايته وتطوره إلى الأمن السيبراني.. فمن المعلوم أن الأمن القومى والمعروف بقدرة الدولة على حماية بقائها وتحسين جودة الحياة لمواطنيها هو مسئولية تامة للدولة وسلطاتها ومؤسساتها الرسمية، بيد أن تلك الثورات سلبت الدولة هذا الحق والمسئولية ونقلتها بصورة مفاجئة إلى المواطنين الذين نزلوا بالملايين إلى الشوارع وفى كثير من الأحيان دمروا مؤسسات الأمن الداخلى وصاروا يقررون للدولة ويحددون المصالح القومية العليا كما يرونها.. وانطلق العلماء والمفكرون وخبراء الأمن القومى لدراسة وتحليل هذه الظاهرة المستجدة على نظام الدولة المستقر منذ معاهدة وستناليا عام 1648 وتوصلوا إلى صيغة وسطية بتوظيف الأمن السيبرانى كبديل للأمن القومى وقت انتشار عدم الاستقرار وهكذا تحول الأمن من مسئولية الدولة وحدها أو احتكار المواطنين للقوة إلى المشاركة الفاعلة بين الطرفين، خصوصاً فيما يتصل بأمن المعلومات والبيانات والطاقة والصحة والفراغ المجال العام ومدى السيطرة على الفضاء الخارجي.
وقد مثلت ثورة 30 يونيو نموذجاً مثالياً للصيغة التفاعلية للأمن السيبراني، حيث تحركت الملايين تلقائياً ودون توجيه ضد الحكم الدينى المتطرف وأمسكت بمصير الدولة فى يدها، وتفاعلت مع القوات المسلحة وأجهزة الأمن الوطنى للحفاظ على الدولة من ناحية، والحرص على جودة حياة المواطن من ناحية أخري.. جمع ميدان التحرير الفسيح الملايين ممن غامروا وجاءوا مشياً على الأقدام للتعبير عن دعم الدولة الوطنية مدنية الطابع حديثة المظهر والجوهر.. جمعت 30 يونيو الكل فى واحد وهو الوطن الغالي، وفى أعقاب ذلك وفى مرحلة بناء الاستقرار توطئة للانطلاق لجمهورية المصريين الجديدة. إذا بنا نفاجأ بالذكاء الاصطناعى الذى ينبنى على أحدث علوم تكنولوجيا العصر أو مرة أخرى يشكل تحديا فعليا لكل من الأمن القومى والأمن السيبراني، خصوصاً أن إنتاج وتطوير وتوظيف الذكاء الاصطناعى يقع فى يد المواطن وليس الدولة وكان لابد أن تتحرك الدول مرة أخرى للوصول إلى صيغة أكثر فاعلية للأمن السيبرانى تضم فى طياتها الابعاد الجديدة للذكاء الاصطناعى أن دور الجماهير الفاعل ودور الدولة الحتمى ودور التكنولوجيا العصرية صارت حزمة متكاملة للوصول إلى أمن الدولة وأمان المواطن وبدلا من أن يقوم الأمن القومى على القدرة العسكرية وحدها صار يستند إلى الرضاء العام من ناحية وإشباع الحاجات الأساسية من ناحية ثانية وبالطبع القدرة العسكرية وارتباطها بكل من الذكاء الاصطناعى وأمن المعلومات من ناحية ثالثة.
ونحن نحتفل بانتصار الدولة الوطنية فى 30 يونيو، علينا أن نؤكد دائما ذلك التفاعل العضوى بين الجيش الوطنى المصرى والشعب المصرى بكل مكوناته السياسية والدينية والمهنية، التى وضحت تماما فى ٣ يوليو 2013.