تسمع كثيرا عبارة «الزمن الجميل» عندما نتحدث عن الفن والغناء والموسيقي والعادات والأسرة والمجتمع، لكن هل سمعت عن مصطلح «حروب الزمن الجميل»؟، لم تعد المعارك والحروب والصراعات كما كانت من قبل وكما يخزنها العقل البشري وترويها كتب التاريخ في سرديات ملهمة، كانت وبحق حروب الزمن الجميل!!، الآن نحن في قلب عملية التغيير، تغيير الفلسفات والأنماط والأدوات وكذلك شكل النتائج، الحروب صارت سيبرانية رقمية تكنولوجية سمها كما شئت لكن الخلاصة أن البنادق والمدافع والصواريخ والطائرات والقاذفات والدبابات وهي أدوات الحروب التقليدية والتي سبقتها تلك الأدوات البدائية مثل السيوف والرماح والدروع والمنجنيق والفرسان، وكانت الشجاعة والحماسة والجرأة تحكم وتتحكم في مسارات تلك الحروب، وكانت الخطط العسكرية الموضوعة بعناية هي مسببات النجاح الأولي حيث المفأجاة والتخفي والمناورات وتضليل العدو والانسحابات التكتيكية والأهداف الإستراتيجية وخطط التشتيت والإلهاء والإنهاك إلى آخر تلك المصطلحات العسكرية والاستخباراتية، لكن ما نراه ونعيشه الآن شىء مختلف تماما، فالخطط غير معروفة والمخطط مجهول والأدوات في سراديب الظلام والمنفذون غير مرئيين تماما، فقط ترى النتائج على الأرض، وكأن السماء هي التي تصنع ما تراه أعيننا، هجمات سيبرانية مجهولة تضرب نظاما عالميا اقتصاديا ولوجستيا فيصاب العالم بشلل تام، هجمات أخرى تستهدف الانتخابات في بلد ما ويكون التلاعب في أمزجة الرأي العام هي الهدف وما زالت الأدوات المستخدمة موضع جدل بين المراقبين والمتابعين، حتى عمليات النصب والسطو الكبرى على البنوك والشركات صارت رقمية، حيث انتهى عصر أسطوات فتح الخزائن وملوك السطو المسلح، حيث باتت السرقات الرقمية هي الأكثر شيوعا وسهولة، فاللص وهو جالس في منزله وعن طريق البرامج الرقمية وبمساعدة الهاكرز المنتشرين في أصقاع الأرض يحقق كل خططه وينفذها في هدوء، كذلك عمليات الابتزاز من خلال سرقة محتويات هاتفك والتلاعب بها والدخول على حساباتك الشخصية أو الرسمية وابتزاز البعض باسمك دون علمك، كذلك انتشرت عمليات البغاء الرقمي والقمار الرقمي بشكل اختفت معه الطرق الكلاسيكية والتقليدية المتعارف عليها، من هنا فنحن أمام واقع جديد تماما في تفاصيله وفي مدخلاته ومخرجاته، لذلك أنحو إلى الهدف الأساسي من هذا المقال وهو سرعة التفاعل مع هذه المتغيرات الجذرية في الحروب والجرائم، فنحن ننفق ميزانيات ضخمة لمواجهة تحديات الأمن القومي على الصعيد العسكري وهذا واجب وضروري ولا مجال لمناقشته، ونتفق كذلك ميزانيات ضخمة لمواجهة الجريمة على الصعيد الداخلي وهذا أيضا أمر لا نقاش فيه، لكن المهم والواجب أن نعرف ان تهديدات الأمن القومي ومواجهة الأنشطة الإجرامية باتت غير تقليدية تماما ويترتب على ذلك تغيير أسس وأدوات المواجهة لتصبح ملائمة لهذه المتغيرات شكلا ومضمونا.