كانت «شعرة معاوية» ومازالت وستظل حكمة بالغة راسخة تمثل سيرة حياة وفلسفة عيش ونموذج حكم من أروع النماذج التى عرفها التاريخ الإنساني.
لا نبالغ إذا قلنا إنها تختزل فى طياتها فلسفة قيادة حكيمة تقوم على رسم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فى إطار من الموازنة بين الحزم والمرونة وبين الشدة واللين.
سأل أعرابى يوماً معاوية- رضى الله عنه- يا أمير المؤمنين كيف حكمت الشام عشرين عاماً أميراً ثم حكمت بلاد المسلمين عشرين عاماً خليفة للمسلمين؟.. فقال : معاوية: لا أضع سيفى حيث يكفينى سوطى ولا أضع سوطى حين يكفينى لساني، ولو كان بينى وبين الناس شعرة ما انقطعت إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها».
ما كان معاوية ليترك هذه الشعرة الضعيفة الدقيقة معاً بل جعل ينفخ فيها متانة وقوة وصلابة حتى صارت صخرة قوية تتحطم عليها الفتن وتبنى تلاحماً قوياً، وانصهاراً صلباً جعل من الحاكم والمحكوم وحدة واحدة تعمل فى بناء المجتمع وتحقيق الخير والسعادة للجميع.
من السلوكيات المشينة التى تؤرق جنبات المجتمع وتشقق جدرانه إن لم تتصدع على رأس أصحابها لا يمر يوما إلا ويحدث شد وجذب بين رئيس أى مؤسسة حكومية أو أهلية ومرؤسه وحتى فى الشركات والمصانع الخاصة والتى تصل ببعضهم إلى استفزاز الطرف الآخر ربما بسبب ضغوط العمل أو سوء المناخ التنظيمى أو المؤسسى الأمر الذى يؤثر على زيادة الانتاج أو جودته وربما الاثنين معاً.
لا شك ان هذه الضغوط النفسية تؤثر بل تؤدى إلى انخفاض الروح المعنوية وضعف الولاء والانتماء للعمل أو الحرص عليه مما ينعكس ذلك على الاداء.. لأن العامل يكثر من الشكاوى كذلك والحضور المتأخر وكثرة الغياب والاسراف فى استخدام الخامات واهدار الوقت فى أمور خارج مصلحة العمل.. لذلك يلزم ولى الأمر التدقيق عند حسن اختيار رئيس للمصلحة بحيث يكون حكيماً حليماً فاهماً طبيعة العامل وسيكولوجيته ليتمكن من الامساك بزمام الأمور دون حدوث مشاكل أو توترات تؤثر على مسيرة الأمن العام أو النظام وتحقيق الانتاجية المطلوبة على الوجه الأكمل.
لا يوجد عمل ناجح بدون قائد ناجح مؤثر فى جميع اعضاء فريقه فهو ليس منصباً فقط وإنما قدوة لفريق يطمح أن يحقق ذاته ومكانته ويكون لديه القدرة على التكيف مع التغيرات والتحديات وان يكون مبدعاً واسع الصدر مرناً قادراً على إدارة الوقت لديه قدرة على التطوير والصبر والاستمرار مستمعا جيداً لمن حوله يقبل الاختلاف فى وجهات النظر قادراً على التنسيق بين أعضاء الفريق دمج كل ذلك ان يمتلك الثقة بالنفس.. كل هذه الصفات تجعل منه قائداً ناجحاً وإلا فلا حاجة به لأن نفعه يكون دون المستوي.
القيادة ليست ترفاً أو مجاملة وإنما مؤسساتنا تحتاج رجالاً وما أكثرهم فى هذا البلد ولكن الاختيار بحاجة إلى رؤية وتدقيق من أجل إكمال مسيرة البناء التى بدأتها الجمهورية الجديدة من أجل تحقيق التنمية المنشودة التى ارست قواعدها القيادة الرشيدة.. وكم نحن بحاجة إلى شعرة معاوية.









