الحديث ما زال مستمرا حول الإستراتيجية الوطنية للسياحة فى مصر.. واليوم أتناول السياحة التسويقية. ويأتى ذلك فى إطار أن السياحة تعد فى مصر أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطنى، وبينما تشتهر مصر بكنوزها الأثرية وشواطئها الخلابة، برز فى الآونة الأخيرة نمط سياحى لا يقل أهمية، وهو السياحة التسويقية أو ما يطلق عليه سياحة التسوق. هذا النمط لم يعد مجرد نشاط هامشى يقوم به السائح، بل تحول إلى قطاع استراتيجى يستهدف إلى جذب فئات جديدة من الزوار، خاصة من دول الخليج العربى وأوروبا، الذين يبحثون عن تجربة تجمع بين الرفاهية، واقتناء السلع العالمية والمحلية. والسياحة التسويقية هى سفر الأفراد إلى وجهة معينة بهدف أساسى هو التسوق وشراء السلع، مع الاستمتاع بالخدمات الترفيهية المصاحبة. فى مصر تكتسب هذه السياحة أهمية كبرى نظراً لقدرتها على زيادة معدل إنفاق السائح حيث ينفق السائح المهتم بالتسوق مبالغ تتجاوز بكثير ما ينفقه سائح الآثار. وتوفر مراكز التسوق الكبرى تجارب ترفيهية تجعل السائح يقضى وقتاً أطول فى العاصمة والمدن الكبرى. ومن خلال الترويج للمنتجات المصرية التقليدية والحديثة مثل الجلود والقطنيات والحرف اليدوية». وهذه السياحة لها ركائز مهمة فى مصر. وتعتمد فى هذا القطاع على مزيج فريد يجمع بين الأسواق التراثية التاريخية والمراكز التجارية العصرية «المولات». وتظل الأسواق القديمة مثل خان الخليلى فى القاهرة وسوق الشيد فى الأقصر مقصداً لا يفوته أى زائر. وهنا يمتزج التسوق بالتجربة الثقافية، حيث يشترى السياح التحف، والمشغولات النحاسية والعطور الشرقية والمنسوجات اليدوية. هذه الأسواق هى «العلامة التجارية» الأصيلة للسياحة التسويقية فى مصر. وقد شهدت مصر طفرة هائلة فى بناء «الميجامولز» التى تضاهى نظيراتها فى دبى وأوروبا. وأصبحت وجهات سياحية بحد ذاتها. وتضم هذه المولات مئات العلامات التجارية العالمية. لا يقتصر الأمر على الشراء، بل يمتد إلى التزلج على الجليد، والسينمات المتطورة، ومناطق الألعاب، مما يجعلها رحلة عائلية متكاملة.
ولتعزيز هذا القطاع بدأت الدولة والقطاع الخاص فى تبنى استراتيجيات تسويقية رقمية وميدانية وتفعيل فترات «الأوكازيون» والمهرجانات التى تشمل تخفيضات كبرى، مما يشجع سياحة الـويك إند من الدول المجاورة.
وكذلك يتم استخدام مشاهير منصات التواصل الاجتماعى لتصوير رحلات تسوق واقعية فى مصر، مما يغير الصورة الذهنية النمطية عن السياحة المصرية بأنها تاريخية فقط.
ويتم ربط التسوق بالمواقع الأثرية، مثل إنشاء مناطق تجارية راقية فى محيط المتحف المصرى الكبير وهضبة الأهرامات، لضمان حصول السائح على تجربة تسوق عصرية فور خروجه من عبق التاريخ. ورغم الإمكانيات الضخمة تواجه السياحة التسويقية فى مصر بعض التحديات التى تتطلب حلولاً ابتكارية، ومنها تسهيل الإجراءات الضريبية، وضرورة تفعيل نظام «استرداد ضريبة القيمة المضافة، وهو ما يطلق عليه التاكسى فرى للسياح بشكل أكثر سلاسة فى جميع المطارات والمولات، وهو عامل جذب حاسم للمتسوقين الدوليين. ولابد من تحسين المواصلات من وإلى مراكز التسوق الكبرى وتوفير خدمات شحن دولية ميسرة للمشتريات الكبيرة. ولابد من ضمان جودة المنتجات فى الأسواق التقليدية لمنع أى ممارسات قد تنفر السائح.
إن السياحة التسويقية فى مصر ليست مجرد نشاط تجارى، بل هى واجهة حضارية تعكس تطور الدولة وقدرتها على مواكبة العصر. من خلال دمج سحر خان الخليلى مع حداثة مولات القاهرة الجديدة. ويمكن لمصر أن تصبح عاصمة التسوق فى شمال إفريقيا. إن الاستثمار فى هذا القطاع وتطوير التشريعات المرتبطة به سيضمن تدفقاً مستداماً للعملة الصعبة ويخلق آلاف فرص العمل للشباب المصرى.
وللحديث بقية.
