تتجه الأنظار صوب القاهرة التى تستعد لاستضافة حدث سياسى ودبلوماسى من العيار الثقيل، وهو الاجتماع الثانى لمجلس التعاون الإستراتيجى رفيع المستوى، برئاسة الرئيسين عبدالفتاح السيسى ورجب طيب أردوغان. هذا الاجتماع لا يمثل مجرد جولة جديدة من المباحثات، بل هو إعلان نضج لشراكة استراتيجية أعيد بناؤها بدقة على مدار السنوات الخمس الماضية، لتصبح اليوم أحد أهم محاور الاستقرار والنمو فى منطقة شرق المتوسط والشرق الأوسط. وتأتى قمة القاهرة فى الربع الأول من عام 2026 لتعزز المسار الذى انطلق بقوة فى سبتمبر 2024 بتركيا. وإذا كانت قمة أنقرة السابقة هى قمة ذوبان الجليد والمؤسسة، فإن قمة القاهرة 2026 هى قمة التنفيذ والتحالف الاستراتيجى.
تعقد هذه القمة فى أعقاب الاحتفال بمرور 100 عام على تبادل العلاقات الدبلوماسية، تؤكد أن القاهرة وأنقرة هما رئتا المنطقة اللتان لا غنى عنهما. لقد تحول مجلس التعاون الاستراتيجى إلى مظلة تجتمع تحتها لجان فنية ووزارية، مما نقل العلاقة من الدبلوماسية الرئاسية إلى التعاون الهيكلى المستدام. والطموح الاقتصادى كسر حاجز الـ 15 مليار دولار، حيث يمثل الاقتصاد المحرك الرئيسى لهذا التقارب. وفى قمة 2026، يطمح البلدان لتحويل الأرقام إلى واقع ملموس يشعر به المواطن فى البلدين. واستكمالا للنجاح فى الوصول إلى 9 مليارات دولار فى 2024، تستهدف القمة وضع خارطة طريق نهائية للوصول إلى 15 مليار دولار قبل نهاية العقد الحالى. ومن المنتظر توسيع المنطقة الصناعية التركية فى مصر مثل منطقة قويسنا والعاشر من رمضان، مع التركيز على صناعات السيارات والمنسوجات والكيماويات. وتناقش القمة المرتقبة البحث فى ملفات الربط الكهربائى وتجارة الغاز المسال، مع السعى لتحويل شرق المتوسط من ساحة للتنافس إلى منطقة للرخاء المشترك. وتمثل مصر وتركيا قوتين لا يمكن تجاهلهما، وفى قمة القاهرة 2026، يتصدر التنسيق الأمنى والعسكرى. واستمرارا للجهود المبذولة فى 2025، يناقش الرئيسان دور البلدين فى إعادة إعمار غزة ودعم لجنة التكنوقراط الفلسطينية، مع دفع ملف قوة الاستقرار الدولية لضمان عدم العودة للصراع. كما انتقل التنسيق إلى مستويات متقدمة تهدف إلى الحفاظ على وحدة الأراضى السورية والليبية، ودفع المسارات السياسية بعيدا عن التدخلات الأجنبية.
وفى البحر الأحمر لابد من التعاون لضمان حرية الملاحة ودعم سيادة الصومال، وهو ملف حيوى للأمن القومى المصرى والتركى على حد سواء. ومن المتوقع أن تشهد القمة توقيع اتفاقيات نوعية فى مجالات لم تكن مطروحة سابقا بجدية. ويناقش الزعيمان التصنيع الدفاعى.
إن ترؤس السيسى وأردوغان لمجلس التعاون الإستراتيجى بالقاهرة فى عام 2026 ليس مجرد لقاء بروتوكولى، بل هو رسالة للعالم بأن البراجماتية السياسية والمصالح المشتركة قد انتصرت على سنوات الجفاء. وهذا التحالف يضع مصر وتركيا فى خندق واحد لمواجهة اضطرابات النظام العالمى الجديد، ويؤكد أن التعاون بين القاهرة وأنقرة هو الرقم الصعب فى معادلة الأمن القومى العربى والإقليمى.









