يدخل العالم عام 2026 وهو أكثر وعيًا بحقيقة لم تعد محل جدل: الوظائف هي جوهر الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وأن الاستثمار في الإنسان هو خط الدفاع الأول في مواجهة الأزمات.
وفي هذا الإطار، وضعت الدولة المصرية نفسها على مسار استراتيجي صحيح، يربط بين السياسات الاقتصادية، وإصلاح التعليم، وبناء المهارات، وخلق الوظائف.
فالوظائف لم تعد مجرد نتيجة للنمو، بل أصبحت أداة لتحقيقه. ومن ينجح في إعداد قواه العاملة لعالم سريع التغير، هو من سيملك القدرة على الصمود، وجذب الاستثمارات، وتحقيق تنمية حقيقية يشعر بها المواطن، فهي ليست فقط الطريق الأكثر أمانًا للخروج من الفقر، بل هي مصدر الكرامة والأمل والاستقرار، وأساس بناء اقتصادات قادرة على الاكتفاء الذاتي.
يأتي عام 2026 أيضًا في ظل تسارع غير مسبوق في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، حيث لم يعد السؤال هو ما إذا كانت الوظائف ستتغير، بل كيف وبأي سرعة.. فالتكنولوجيا لا تلغي الوظائف بقدر ما تعيد تشكيلها، وتفرض طلبًا متزايدًا على مهارات جديدة.
وهنا يتحدد الفارق الحقيقي بين الدول: دول تستثمر في الإنسان فتقود التحول، وأخرى تتأخر فتدفع كلفة اجتماعية واقتصادية مضاعفة.
في قلب هذه التحولات العالمية، تبرز التجربة المصرية بوصفها نموذجًا لرهان طويل الأجل على رأس المال البشري. فعلى مدار العقد الأخير، تبنّت الدولة المصرية نهجًا تنمويًا واضحًا يقوم على أن الإنسان هو الثروة الحقيقية ومحرك النمو المستدام.
أدركت مصر مبكرًا أن التحدي لا يكمن في عدد الخريجين فقط، بل في مواءمة المهارات مع احتياجات سوق العمل. ومن هنا جاء التركيز على تطوير التعليم الفني والتقني، وإعادة هيكلته وفق منهجية الجدارات المهنية، وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، وإنشاء المدارس التكنولوجية التطبيقية ومراكز التميز.
وعلى مستوى التعليم الجامعي، اتجهت السياسات إلى دمج المعرفة الأكاديمية بالمهارات العملية، من خلال الجامعات التكنولوجية، ومبادرات «رواد مصر الرقمية» و«الرواد الرقميون»، والشراكات الدولية، بما يعزز جاهزية الخريجين لوظائف المستقبل، خاصة في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي.
وفي الوقت ذاته، تعمل الدولة على سد فجوة المهارات عبر مبادرات تدريبية واسعة، مثل مشروع «مهني 2030» الذي يستهدف تأهيل مليون شاب وفتاة، ومنصات رقمية توفر بيانات دقيقة عن المهن المطلوبة، في خطوة تعكس فهمًا عميقًا لطبيعة سوق العمل المتغير.
إن عام 2026 قد يكون بحق عام الوظائف، لكنه قبل ذلك عام الاختبار الحقيقي لمدى قدرة الدول على تحويل التحديات العالمية إلى فرص، ومصر- برهانها على الإنسان- تملك مقومات قوية لعبور هذا الاختبار بثقة.









