أوافق رئيس مجلس الوزراء د.مصطفى مدبولى، على تصريحه المتجدد الذى أعلنه أول أمس أثناء تفقده لعدد من مشروعات المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» بمحافظة الجيزة، وأن هذه المبادرة «تعد أعظم مشروع مصرى فى القرن الحادى والعشرين».
هذه حقيقة.. وليس هناك ما يؤكدها أكثر من هذه المبادرة التى خصصت لتطوير الريف المصرى، تم تصميمها لتصل بمشروعاتها إلى كل قرية وعزبة ونجع فى جميع محافظات مصر، وأن عدد المستفيدين منها يجاوز نصف تعداد الشعب، وأن ما تم رصده لتمويل مرحلتها الأولى فقط من بين ثلاث مراحل فاق السبعمائة مليار جنيه.
بل إن سمعة هذه المبادرة انتقلت من داخل مصر إلى خارجها وشدت انتباه عديد من الدول، وسجلتها الأمم المتحدة ضمن أكبر المشروعات التنموية على مستوى العالم.
واعتز بأنى كنت أحد المبشرين بهذه المبادرة قبل اطلاقها فى يناير من العام 9102 فى أكثر من مقال فى هذا المكان، ثم كتبت عنها بعد انطلاقها، ثم رأيت أنها تستحق أن أخصص لمتابعة تنفيذها مساحة فى باب «مع الجماهير» الذى أحرره وجعلت عنوانها «حياة كريمة فى القرية والمدينة»، وتلقى ونشر رسائل قراء العدد الأسبوعى لـ «الجمهورية» من مختلف قرى ومدن ومحافظات مصر حول تطورات مشروعات المبادرة، وإيجابياتها وسلبياتها.
وقد كان حلم المبادرة كبيراً على المستوى الرسمى، باتساع نطاقها الجغرافى، وبحجم وتعداد الملايين المستفيدين بها حتى أن الدولة تعهدت منذ اليوم الأول لانطلاق المبادرة، بأن القرية التى تدخلها أو العزبة أو النجع، ولن نتركها إلا بعد أن تكون قد أتمت تطوير وتجديد كل ما بها من مرافق، وإضافة كل ما كان ينقصها من احتياجات.
بل أكثر من ذلك، فإن حماس البداية، وفرحة المواطنين فى الريف بما بدأوا يشعرون به من جدية فى العمل والالتزام بمواصفات الجودة ومواعيد الانجاز، وما أحدثته المبادرة من تغيير حقيقى فى حياتهم، قد شجع الدولة على أن تمد نطاق المبادرة الجغرافى من القرية إلى المدينة، وضم المدن المحيطة بالقرى إلى مهمتها.
ولقد كان مقرراً أن تنتهى المرحلة الأولى من المبادرة خلال ثلاث سنوات، أى فى عام 2202، لكن تفشى جائحة «كورونا» عام 0202 وبعدها نشوب الحرب الروسية ـ الأوكرانية التى مازالت مستمرة حتى اليوم ألقت بظلالها السلبية، ليس فقط على جدول تنفيذ مشروعات المبادرة فى مصر، بل على العالم كله.
فلم تكن المرحلة الأولى قد انتصفت حتى، عندما وصلت الجائحة إلى مصر كانت هناك مشروعات مفتوحة فى كل القرى التى دخلتها المبادرة.. فتوقف العمل بها، وكانت هناك قرى مدرجة فى هذه المرحلة لم تبدأ المبادرة العمل بها أصلاً.
طرق بدأ رصفها ولم يكتمل.. مشروعات مياه وصرف صحى وغاز تم إنشاء بنيتها التحتية وتوقفت قبل توصيلها للمنازل.. منشآت خدمية عديدة فى مجال التعليم والصحة والبريد وغيرها أصابها التوقف قبل أن تكتمل.
وللأسف، فإن أحد عيوب المحليات فى مصر، أنه ليس لديها نظام محدد للتعامل مع هذا التوقف.. فقد بقى الوضع على ما هو عليه.. بعض مقاولى التنفيذ تركوا معداتهم فى مواقع العمل وانصرفوا.. وبعضهم حملوها معهم.. ولم تكن هناك سبل حماية لما تم، ولا توعية للمواطنين بما عليهم أن يفعلوا لصيانة ما تحقق.
ولقد طال التوقف ربما بأكثر مما قدر له ودخل الموعد المحدد لانطلاق المرحلة الثانية والوضع مازال على ما هو عليه.
وتكررت الوعود بقرب انطلاق المرحلة الثانية، وهى محملة بهذا الوضع وعليها استكمال ما لم يتم من المرحلة الأولى كأولوية قبل أن يندثر، مع توفير تمويل إضافى كبير، لأن الانفاق فى المرحلة الأولى تجاوز ما كان مقدراً له نتيجة ارتفاع الأسعار.
إننى لا أكتب ذلك من فراغ، بل من خلال ما تلقيته ونشرته من رسائل قراء الجريدة خلال هذا العام وحده فلقد نشرت مائتين وخمس عشرة رسالة لقراء من تسع عشرة محافظة فى زاوية «حياة كريمة فى القرية والمدينة» يشيدون فيها بما أنجزته المبادرة فى محافظاتهم.. وغيرته فى حياتهم، ويسجلون من أرض الواقع ملاحظاتهم الميدانية على ما تم، واقتراحاتهم لتلافى أى سلبيات.
ولقد جاءت محافظة الدقهلية فى المركز الأول بعدد ما أرسلته ونشر لها من رسائل وبلغ خمسا وعشرين رسالة والجيزة فى المركز الثانى بعشرين رسالة والأقصر الثالث بتسع عشرة رسالة وسوهاج الرابع بثمانى عشرة رسالة بينما تشاركت دمياط والبحيرة فى المركز الخامس بـ 71 رسالة.
وجاءت مشكلات المياه والصرف الصحى والغاز فى البداية، تليها الطرق، سواء بين المحافظات وبعضها أو داخل كل محافظة، ثم الوحدات الصحية.. وخدمات البريد والبنوك خاصة فى مجال ماكينات الصرف الآلى.
هناك ملاحظات على عدم تخصيص أماكن لمخلفات تطهير مياه الترع التى تم تبطينها، تركت المخلفات على حافتها لتتساقط عائدة إلى مياهها، وعدم وجود صناديق قمامة، ونقص ماكينات الصرف الآلى فى فروع البنوك ومكاتب البريد، وعدم وجود نظم لصيانة المشروعات التى تم انجازها، ولا تم تدريب شباب من كل قرية على المشاركة فى التعامل معها.
ومهما بلغت هذه الملاحظات، تبقى مبادرة «حياة كريمة» هى المشروع الأهم والحلم الأكبر لتغيير وجه الحياة فى الريف وهى السلاح الأقوى للقضاء على الفقر بين نصف تعداد سكان مصر، ومواجهة التطرف، ومحاربة الثأر وغير ذلك فهى ليست فقط مشروعاً لتنمية البيئة، بل أيضا لتنمية الوعى وتعميق الانتماء.
نريد أن تنطلق المرحلة الثانية بنفس حماس البداية وجديته دون أن تتأثر بسلبيات فترة التوقف، ولذلك لابد من تقييم شامل للمرحلة الأولى بايجابياتها وسلبياتها لتكون المرحلة الثانية أكثر نجاحا.









