وعملتها أستراليا!!.. تلك القارّة البعيدة فى آخر الدنيا، التى ما زالت حتى اليوم تحت التاج البريطانى ويرأسها ملك إنجلترا، شأنها شأن 14 دولة أخرى ضمن دول الكومنويلث. وقد أقدمت أستراليا الأسبوع الماضي، وتحديدًا فى 10 ديسمبر، على خطوة جريئة وضرورية حين ألزمت الغالبية من منصات التواصل الاجتماعى بغلق أى حساب شخصى لمن هم دون 16عامًا وتم تنفيذ الأمر بالفعل.
خطوة فى غاية الشجاعة.. وفى غاية الأهمية.. فمنذ انتشار استخدام الكمبيوتر فى سبعينيات القرن الماضي، ثم ظهور اللاب توب والموبايل فى نهاياته، توالى ظهور المنصات الرقمية والتى جذبت الجماهير واستغلت تفاعلهم لتحقيق أرباح هائلة من الإعلانات وجمع البيانات، إلى جانب أهداف أخرى غير بريئة. وقد غزت هذه المنصات حياة البشر، خاصة الأطفال والشباب، وغيرت شكل الحياة على كوكب الأرض. وبدأت بعض تلك المنصات تخاطب الشباب بما يستهويهم، لكنه للأسف يضرهم، مدفوعة بنوايا خبيثة وأغراض مغرضة. ومع مرور الوقت أصبحنا نندم على تفشى هذا الوباء الرقمي، غير قادرين – أو ربما غير راغبين – على مواجهة هذا المد الجارف.
لكن أستراليا فعلتها… وبذكاء.
فالمعضلة الكبرى لدى معظم الدول لم تكن الرغبة فى فرض الحظر، بل كيفية تطبيقه فعليا. أستراليا حسمت الأمر بوضوح: وضعت عبء التنفيذ بالكامل على الشركات المالكة للمنصات. ألزمت كل منصة بأن تتولى بنفسها التحقق من أعمار المستخدمين، ومراقبة المخالفات يوميا، وإلا فعليها دفع غرامة ضخمة قدرها 35مليون دولار أمريكى عن كل مخالفة.
الحكومة وضعت القانون.. ثم ألقت الكرة فى ملعب الشركات. لم تجهد نفسها بالبحث عن الحل التقني، بل جعلت المنصات تبحث عنه، ونجحت بذلك فى حل أصعب عقدة واجهت الجميع فى كيفية السيطرة على منصات التواصل نفسها. ورغم أن أصحاب النوايا السيئة قد يجدون ثغرات للتحايل، تظل التجربة الأسترالية رائدة تلهم العالم.
أبناؤنا وبناتنا يقضون ساعات طويلة يوميا على هواتفهم. وقت يضيع على حساب الدراسة، والرياضة، والنوم، والصحة العامة. وقد أثبتت الدراسات وجود ارتباط واضح بين طول مدة استخدام المنصات الرقمية وبين مؤشرات سلبية للصحة النفسية لدى المراهقين، وارتفاع معدلات الإدمان الرقمى بينهم.
المبادرة الأسترالية جاءت فى لحظة مناسبة تماما. ونحن فى مصر من أكثر الدول حاجة إلى مثل هذا التدخل. لكننا فى الوقت نفسه من أكثر الدول احتياجا لآلية فعالة تضمن تنفيذ أى قرار يتخذ.
لعل البداية تكون بفرض قواعد صارمة على المحتوى الذى تنشره هذه المنصات داخل مصر، بما يضمن احترام قيم المجتمع ومعتقداته، والابتعاد عن كل محتوى ضار أو مغرض، مع فرض غرامات مالية رادعة على المخالفين. نبدأ بتنظيم المحتوي، وتطهيره مما يشوبه من عوار أساء كثيراً لخلق الصغار والكبار ونفذ الى المجتمع بأكمله وأشاع مفاهيم كانت بعيدة عنا.. وعن معتقداتنا الملتزمة.. ولابد من العقاب والمحاسبة كما حدث فى التجربة الأسترالية إن لزم الأمر. ومن خلال نفس هذا المسار يمكننا الاقتراب خطوة من وضع قيود فعالة تحد من فوضى منصات التواصل الاجتماعي، تلك المشكلة التى فرضها علينا عصر الشاشات والتكنولوجيا المتسارعة، ولم يعد لنا رفاهية تجاهلها..









