بالتأكيد، لا أشير فى العنوان إلى أغنية أم كلثوم آخر ما غنت رائعة الموسيقار الكبير بليغ حمدى «حكم علينا الهوي»، التى كان يفترض أن تشدو بها على المسرح ككل روائعها الغنائية التى أسرت القلوب وأثرت الوجدان لدى كل الشعب العربى على مدى قرن ويزيد من الزمان، ومازالت القلوب والأذان معلقة بها مفتونة بفنها الراقى الذى يتغنى به الآن مطربات شابات وتحققن مجداً صنعته لهن أم كلثوم سيدة الغناء العربي.
لم يمهل القدر الفنانة العظيمة لغناء هذه الرائعة المنتظرة، بعدما اشتد عليها المرض، فلم «تبخل» على جمهورها بها، وطلبت إذاعة تسجيل الأغنية الذى اعتادت أن تختص به الإذاعة لكل أغانيها، وكم كان يحمل هذا العمل الغنائى الأخير كثيراً من الشجن وكأنه لحن الوداع، بعد مسيرة حافلة من عطاء الطرب والفن الأصيل.
ولكن «الهوى» الذى أقصده هو «هوي» القائمين على فيلم «الست»، الذى أساء لهم قبل أن يسيء للست العظيمة التى كافحت وثابرت وحققت شهرتها ومجدها منذ خروجها من قريتها الصغيرة.. تغنى فى الموالد والأفراح، قبل أن يتولاها الملحنون العظام، بدءاً من الشيخ أبوالعلا محمد، مروراً بزكريا أحمد والقصبجى والسنباطى وبليغ حمدى ومحمد عبدالوهاب وأيضا محمد الموجى وكمال الطويل وسيد مكاوي.. وبدءاً من طقاطيق الأفلام وحتى روائع الشعر الكبرى للخيام وشوقى وأبوفراس الحمدانى وإقبال وأحمد رامى والهادى آدم وجورج جوران وغيرهم، مثل أحمد شفيق كامل ومأمون الشناوى وعبدالوهاب محمد الذين ساهموا فى صنع هذا الهرم الغنائى المصري، الذى يندر أن يجود بمثله الزمان.
>>>
أتصور أن ملايين المصريين والعرب الذين استمتعوا ومازالوا بهذا الفن العظيم تولوا مسئولية رد الهجمة الشرسة الحمقاء على سيدة الغناء العربي، والذين أساءوا لأنفسهم وقدراتهم فى التراجم وإنتاج السير الذاتية قبل أن يسيئوا لهذه الفنانة العظيمة التى لم تنكر فى كثير من أحاديثها الصحفية والإذاعية أنها فلاحة بسيطة من طين مصر، شقت طريقها بموهبتها وعشقها للفن ولوطنها مصر على مر تاريخها من الانتصار أو الانكسار.
لم تنكر «الست»- على ما أذكر- بداياتها الأولية.. وأذكر فى حديث لها أن أجرها عن الغناء فى هذه البدايات، كان طبق مهلبية شهى فقط، يشعل بداخلها وحنجرتها الذهبية هذا الأداء الغنائى الذى كان يسلب الألباب.
بالله عليكم، ماذا يهم عشاق «الست» تلك الأمور الشخصية، التى حاول صناع الفيلم إلصاقها بها؟!.. إن ما يعلق فى وجدانهم وأذانهم هو هذا الفن الراقى الساحر الذى يكفى أن تشير له إذاعة الأغانى المصرية بإعلان تنويهى عن حفل نادر يذاع لها الآن على هذه المحطة الراقية فى الخميس الأول من كل شهر، بإشارة تقدم الحفل على مسرح باريس بقوله: مدام أم كلثوم، وغيرهم من إذاعيين مصريين بدءاً من جلال معوض وغيره.. يقول: نأمل أن يكون آخر ما ينساب إلى أذانكم ومسامعكم صوت أم كلثوم.
>>>
حقاً وباختصار، إنها هى أم كلثوم.. ستبقى ملء السمع والأذان والأبصار.. أما من يحاولون ولو بغير قصد تشويه صورتها العظيمة لدى كل الشعوب العربية، فإنهم كمن يلقى بحجر أهوج على هرم عظيم من أهرامات مصر الخالدة.. سوف يرتد إليهم فى «فزلكتهم» السينمائية التى أفسدها الهوى!!









