«اليمين».. يسيطر على مستقبل الصهيونية العالمية.. واليسار يتراجع
المفاجأة: تعطيل قرارات توسيع السيادة على الضفة الغربية ووادى الأردن
تحليل : مريم صلاح
فى توقيت حساس، بعد سلسلة من الحروب التى خاضها الاحتلال الإسرائيلي، والتى أثرت بشكل واضح على صورة اليهود العالمية، وجعلت الشعارات الإعلامية التقليدية المرتبطة بمعاداة السامية أقل فاعلية وتأثيرًا على الساحة الدولية، وظهر هذا بشكل جلى فى مساعى اليهود حول العالم لصياغة خطط جديدة لمحاولة تحسين و تعديل صورتهم العالمية، بعد الهجوم العالمى الشعبى والحكومى عليهم بعد عقد االمؤتمر الصهيونى العالميب، فى دورته التاسعة والثلاثين فى القدس االمحتلةب.
المؤتمر عقد تحت مظلة المنظمة الصهيونية العالمية، وتحديدا فى أواخر أكتوبر الماضي، وبعد انعقاد سابق افتراضى عام 2020، و بمشاركة 500 مندوب يهودى من شتى أنحاء العالم، وبهدف توزيع التمويل على المؤسسات الصهيونية، وصياغة خطة عمل مستقبلية للصهيونية فى إسرائيل والشتات، وإجراء تعيينات فى هياكل المنظمة ومؤسساتها الوطنية.
فى هذا الشأن تناولت ورقة بحثية أعدتها الباحثة مريم صلاح بالمركز المصرى للفكر والدراسات الإسلامية بعنوان: «المؤتمر الصهيونى – 39 كيف يسيطر «اليمين» على مستقبل الصهيونية العالمية؟»، وهذه تفاصيلها..
أكدت الورقة البحثية أن « المؤتمر الصهيونى العالمى التاسع والثلاثون»، الذى عقد فى القدس فى الفترة من 28 إلى 30 أكتوبر 2025، ركز على قضايا محورية مثل»مواجهة معاداة السامية، ودور الصهيونية الرقمي، وتمكين المرأة»، إلى جانب اجتماعات تنظيمية كلجنة الدستور.
كما شهدت الفعاليات «أيضا»، اجتماعات الأحزاب و المنظمات، وانتخاب الهيئة التنفيذية الجديدة ضمن جلسة «الصهيونية 20.48» وهى شعار المؤتمر، وعقدت لجان متخصصة ناقشت ملفات «السيادة والهوية والعدالة الاجتماعية والتعليم»، إضافة إلى أنشطة فكرية وجولات ميدانية داخل إسرائيل، وانتهى باتخاذ القرارات والتصويت عليها فى الجلسات العامة الختامية.
ويمكن القول – من خلال الورقة البحثية – إن انتخابات المندوبين – التى أسفرت عن انتخاب «38 ٪» من المندوبين من إسرائيل بما يعادل 203 مقاعد، و»29 ٪» من الولايات المتحدة أى 155 مقعداً، والباقى من بقية الشتات اليهودى «33٪»، من الأعضاء -، وهو ما يعنى أن ميزان المشاركة داخل المؤتمر يميل بشكل متزايد نحو الجانب الإسرائيلي، مما يعزّز تأثير الأحزاب و التيارات السياسية الإسرائيلية على قرارات المنظمة الصهيونية العالمية واتجاهاتها العامة، وهو ما يؤكد ان السيطرة فى الكيان الصهيوني، فى السنوات المقبلة فى الصهيونية العالمية لـ «اليمين».
ومن بين «ابرز المشاهدات»، أن المؤتمر شهد توترات سياسية حادة، أدت إلى تعطيل اعتمادالميزانية بسبب خلافات مطولة بين كتلتي» يمين الوسط ويسار الوسط «، حول توزيع المناصب القيادية، وترتيبات تقاسم السلطة.
ووفق، ما رصدته «الورقة البحثية»، فإنه رغم النجاح «الظاهرى المعلن»، إلا أن المؤتمر الصهيونى العالمى التاسع والثلاثين، لم يتمكن من اعتماد الميزانية رسميًا نتيجة انهيار اتفاقيات تقاسم السلطة المتتالية، وعكست الأزمة عمق الانقسامات السياسية داخل الحركة الصهيونية العالمية، وأدت إلى تأجيل تنفيذ الخطة المالية أو إحلالها إلى المجلس الصهيوني.
وتناولت الورقة البحثية، تقييم نتائج المؤتمر ودلالاتها فى نوايا وتحركات الصهيونية خلال المرحلة المقبلة، والتى يمكن تقسيمها إلي:
كشفت الباحثة أن شعار المؤتمر «20.48» يُشير إلى بعدين زمنيّين مرتبطين بالمشروع الصهيوني» 1948»، سنة قيام إسرائيل، وهو حدث تاريخى أساسى فى مسيرة الصهيونية الحديثة، و»2048 «، الذى يمثل مئوية الدولة ونظرة مستقبلية طويلة المدى لكيفية استمرار المشروع الصهيوني، ويهدف الشعار إلى الربط بين الماضى والحاضر والمستقبل.
ومن المعروف أن المؤتمر يُعقد كل خمس سنوات، وبالتالى فإن السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة شهدت تغييرات كبيرة سيكون لها تأثير مباشر على مستقبل اليهود، سواء داخل إسرائيل أو خارجها، أبرزها وجود انقسامات حادة بين الفصائل، مع سيطرة متنامية للتوجه اليمينى على الساحة العالمية، ومع أن التيار اليسارى أو الوسط لا يزال موجودًا، فإن النفوذ اليمينى يتوسع عامًا بعد عام ويؤثر على توجهات المنظمة الصهيونية وسياساتها، و لوحظ «أيضا» أن الشباب الجدد بعيدون بشكل كبير عن مبادئ الصهيونية.
انقسامات قوية
وبالتركيز على قضية الانقسامات الداخلية، كما رصدت الدراسة ملاحظة مهمة وهى أنه على الرغم من أن الفصيل المشترك اليمينى كان يسيطر على الأغلبية فى الانتخابات، فإن، معظم القرارات التى تم اعتمادها كانت باقتراح منظمات و أحزاب الوسط واليسار المعتدل أو الليبرالى الاجتماعي.
الضفة ووادى الأردن
من اللافت أيضا أنه تم تعطيل القرارات التى كانت تدعو إلى توسيع السيادة على الضفة الغربية «يهودا والسامرة»، ووادى الأردن، وهى ملفات حساسة تميل إلى توجهات اليمين المتشدد، مما يعكس أن الوسط واليسار كانوا الأكثر تأثيرًا على مجمل السياسات العملية للمؤتمر، ومع ذلك يبقى تنفيذ هذه القرارات فى يد المجلس الصهيوني، الذى يغلب على أعضائه التوجه اليميني.
– اليمين اأقويب:
من ناحية أخرى تعكس التعيينات الأخيرة داخل المنظمة الصهيونية العالمية هيمنة واضحة لتيارات اليمين، خاصة فصيل الليكود، مقابل تراجع ملحوظ لدور اليسار الصهيونى الذى اقتصر حضوره على مواقع رمزية أو استشارية.
– تأثير المنظمة:
يمكن تقييم تطور المؤتمرات الصهيونية بشكل تاريخى و منهجى من خلال خمس مراحل رئيسية، تعكس التغيرات فى أهداف المؤتمر و طبيعة مناقشاته ودور الحركة الصهيونية ضمن السياق السياسى العالمى والإسرائيلي.
– رفض مستوطنات
كما يمكن الإشارة إلى ملفين مهمين لم يحسما فى المؤتمر وهما:
– رفض بناء مستوطنة E1 فى الضفة الغربية. وعدم مناقشة قرار فرض السيادة على الضفة الغربية وغور الأردن
وهذا، حدث على الرغم من أنه كان مدرجًا ضمن قائمة مشروعات القرارات المقترحة، ومع ذلك، فإنه لا يعنى استبعاد إمكانية فرض السيادة فى وقت لاحق، إذ يمكن أن يتخذ المجلس الصهيوني، الذى يضم الأعضاء التنفيذيين من اليمين الإسرائيلى واليهود حول العالم، قرارًا يعكس ذلك مستقبلًا.
وبالتالى يمكن استنتاج أن مستقبل الصهيونية العالمية سيمتاز بتعقيد مزدوج على عدة مستويات ، على المستوى الداخلي، ستظل الانقسامات الحادة بين الفصائل اليمينية والوسط واليسار مؤثرة، حيث يبدو أن اليمين سيهيمن على المناصب التنفيذية والموارد المالية والاستيطانية؛ مما يمنحه قدرة واسعة على توجيه السياسات الكبري، بينما سيظل الوسط واليسار قادرين على فرض بعض القرارات عبر التحالفات الاستراتيجية والتموضع المؤسسي، خصوصًا فى المجالات التعليمية والثقافية والاجتماعية.
المستوى الخارجى
وعلى المستوى الخارجي، يبدو أن الاتجاه الحالى للصهيونية يتمثل فى العمل على استقطاب الجيل الجديد فى الشتات عبر برامج التعبئة والتعليمية والدعائية لإعادة ربط الشباب بالهوية اليهودية والصهيونية، والعمل على تحسين صورة إسرائيل واليهود دوليًا عبر الأنشطة الدعائية والرقمية.
.. تلفت الباحثة إلى «المؤتمر الصهيونى العالمي»، هو السلطة التشريعية العليا للمنظمة الصهيونية العالمية، و الجهاز الأعلى لها، وتأسس فى العام 1897، على يد تيودور هرتزل، وأول اجتماع له عقد فى مدينة بازل فى سويسرا، ثم عقد فى عدة دول أوروبية كل سنة أو سنتين، ومنذ1951، وحتى وقتنا الحالى أصبح المؤتمر ينعقد فى «القدس المحتلة».
وتكمن أهمية المؤتمر الصهيونى فى أنه يضطلع بمسئولية تحديد سياساتها العامة و توجهاتها الاستراتيجية، وقدرته على توزيع «الموازنات والموارد المالية الضخمة»، المخصصة للمؤسسات الصهيونية حول العالم، إضافة إلى توجيه السياسات المتعلقة بالتعليم اليهودي، وتعزيز الهوية اليهودية فى الشتات، إضافة الى أنه يعمل على إعادة صياغة العلاقة بين إسرائيل والجاليات اليهودية فى الخارج، كما يعد من أبرز مهامه انتخاب السلطة التنفيذية.
