لاينكر أى منصف أن سمعة الإسلام فى الدول الغربية تأثرت بشدة بسبب الأيديولوجيا الإخوانية والواقع الاجتماعى والسياسى للمجتمعات الغربية.
فى العقود الماضية، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث شهد الغرب تحولاً جذرياً فى إدراكه للإسلام والمسلمين. هذا التحول لم يكن نتيجة طبيعية للأحداث الإرهابية فحسب، بل كان أيضاً نتيجة قوية لاستراتيجية جماعة الإخوان الارهابية المتطرفة فى احتكار الخطاب الإسلامى واستقطاب الجدل حول الهوية الإسلامية فى الغرب.
فربط الإسلام بالإسلاموية والتطرف: هو المشكلة الأساسية التى أنتجتها استراتيجية الإخوان هى بالخلط العرفى والسياسى العميق فى أذهان الملايين من الغربيين بين ثلاثة مستويات مختلفة تماماً:
المستوى الأول: الإسلام كدين روحى – مجموعة من المعتقدات الروحية والأخلاقية والتعبدية التى يتبعها ملايين الناس حول العالم. الإسلام فى هذا المعنى هو نظام متعدد الأوجه يتضمن ثقافات وفنوناً وآداباً وعلوماً وممارسات إنسانية عريقة تمتد لأكثر من 1400 سنة.
المستوى الثاني: الإسلاموية «الإسلام السياسي» كحركة أيديولوجية – محاولات من حركات سياسية معينة «مثل الإخوان» لتطبيق ما يعتبرونه «الشريعة الإسلامية» فى أنظمة الحكم والسياسة العامة. وهذا اختزال مقيت للدين الإسلامى ولا يعبر عن وجهة النظر الساحقة لعموم المسلمين.
المستوى الثالث: الجهادية كحركات عنيفة – تنظيمات إرهابية متطرفة تستخدم العنف لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، مثل تنظيم القاعدة وداعش. هذه الحركات تمثل أيضاً تشويهاً متطرفاً وعنيفاً للإسلام وتعارضها الغالبية العظمى من المسلمين.
ما فعله الإخوان: استطاع الإخوان، من خلال احتكارهم للخطاب الإسلامى فى الغرب، أن يجعل هذه المستويات الثلاثة متداخلة وغير قابلة للفصل فى عقول الملايين من الغربيين. وفى حالات كثيرة، خاصة بين الناس العاديين الذين لا يملكون معرفة عميقة بالإسلام، حدث انزلاق منطقي:
– الإسلام = الإسلاموية «لأن الإخوان يحتكرون تمثيل المسلمين».
– الإسلاموية = العنف والتطرف «لأن الإخوان يمولون أو يرتبطون بمنظمات إرهابية».
– بالتالى فى العقل الجمعي: الإسلام = الإرهاب
الأرقام والإحصائيات الموثقة
البيانات الحديثة تظهر بوضوح عمق هذه المشكلة:
فى الولايات المتحدة:
– أظهرت دراسة Chapman University Survey أن أكثر من 50 ٪ من الأمريكيين يخافون من أن الإسلام يمثل تهديداً على الأمن الوطني.
– دراسة أخرى وجدت أن الأمريكيين يصعب عليهم التمييز بين المسلمين العاديين والمتطرفين
– فى عام 2023، سجلت منظمة حقوقية 8,061 حالة من معاملة تمييزية ضد المسلمين- الرقم الأعلى فى 28 سنة من الرصد.
فى أوروبا:
– وفقاً لـ EU Agency for Fundamental Rights
بنسبة 47 ٪ من المسلمين فى الاتحاد الأوروبى يعانون من تمييز عنصرى فى الحياة اليومية.
– هذا يمثل ارتفاعاً من 39 ٪ عام 2016- أى ارتفاع بنسبة 20 ٪ فى ثمانى سنوات فقط
– فى النمسا على سبيل المثال، 71 ٪ من المسلمين تعرضوا لتمييز، تلتها ألمانيا وفنلندا
– حوالى 39 ٪ من المسلمين يواجهون تمييزاً فى البحث عن عمل، و** 35 ٪ فى مكان العمل (ارتفاع من 23 ٪ إلى 31 ٪ على التوالى فى 2016).
– 41 ٪ من المسلمين يوصفون بأنهم «مؤهلون فوق حاجة الوظيفة»، مقابل 22 ٪ من سكان الاتحاد الأوروبى عموماً.
هذه الأرقام تعكس تحيزاً منهجياً عميقاً ضد المسلمين لا تبرره سوى الصورة النمطية السلبية.
دور الإخوان فى تعزيز هذا الخلط.
الإخوان ساهموا فى هذا الخلط من خلال عدة آليات موثقة:
أولاً: الاحتكار المؤسسى – عندما تكون المنظمات الإخوانية الوحيدة التى تمثل المسلمين فى الغرب «CAIR، ISNA، AMC»، فإن أى خطأ أو انتقاد موجه لها يُترجم إلى انتقاد للإسلام والمسلمين بشكل عام.
شهادة FBI الرسمية وصفت هذا الواقع: «رغم أن عضوية الإخوان ظلت صغيرة نسبياً، أظهروا قدرة هائلة على احتكار الخطاب الإسلامي».
ثانياً: الخطاب المزدوج – حقيقة أن الإخوان يقدمون صورة معتدلة للحكومات الغربية بينما يدعمون «سراً أو علناً» أجندات متطرفة، أدت إلى فقدان الثقة الكاملة عندما اكتُشفت هذه الازدواجية.
ثالثاً: عدم وجود بدائل مسموعة – الأصوات الإسلامية الإصلاحية التى كان يمكنها تقديم رؤية مختلفة تماماً للإسلام، تم كتمها وملاحقتها من قِبل المنظمات الإخوانية. هذا ترك الساحة الإعلامية والأكاديمية خالية للإخوان لفرض رؤيتهم.
الصور النمطية والمخاوف الأمنية الحقيقية وشبه الحقيقية
تطور «الخطر الأخضر» (Green Threat Theory)
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بدأ الغرب بتطوير نظرية «الخطر الأخضر» – مصطلح يستخدم للإشارة إلى تصور الإسلام كتهديد حضارى أساسى للغرب. هذا التطور لم يأتِ من فراغ:
المرحلة الأولى (2001 – 2005):
الرعب الأولى والتعميم:
– الكتب والأفلام الوثائقية بدأت تصور الإسلام والمسلمين كـ «تهديد حضاري».
– مصطلح «الإسلام المتطرف» بدأ يُستخدم بشكل عام بدلاً من التمييز الدقيق بين أنواع الحركات.
– ظهرت كتب مثل «صراع الحضارات» «Samuel Huntington» و«الخطر الأخضر» تطرح فرضية أن الإسلام حتمياً معادٍ للغرب.
الدور الإخوانى فى هذه المرحلة:
بدلاً من تقديم تفسيرات بديلة معتدلة للإسلام، قام الإخوان بـ:
– تقديم أنفسهم كـ «الصوت المعتدل» للإسلام «وهو ادعاء كاذب».
– استخدام هذا الموقف للتغلغل فى المؤسسات الحكومية.
– عدم فتح الفرصة للأصوات الإسلامية الحقيقية المعتدلة للظهور
المرحلة الثانية «2005 – 2015»: تعزيز الصورة النمطية
– أصبح مصطلح «متطرفين إسلاميين» شائعاً فى وسائل الإعلام الغربية
– الأفلام الهوليوودية بدأت تصور المسلمين والعرب بشكل منهجى كـ «الأعداء»
– دراسات أظهرت أن المسلمين يتم تصويرهم بشكل أكثر سلبية من أى مجموعة عرقية أخرى فى الإعلام الأمريكي
دراسة علمية «2024» :
– وجدت دراسة من جامعة شيكاغو أن تغطية المسلمين الأمريكيين أكثر سلبية بشكل دراماتيكى مقارنة بتغطية السود واللاتينيين والآسيويين.
– الدراسة وجدت أيضاً أن التعرض لتغطية إعلامية سلبية يزيد من العداء تجاه المسلمين بنسبة كبيرة.
نمو الحركات المعادية للمسلمين (Islamophobia)
فى الولايات المتحدة:
– جرائم الكراهية ضد المسلمين ارتفعت بنسبة 40 ٪ سنوياً فى بعض السنوات بعد 11 سبتمبر
– مسلمو أمريكا واجهوا مضايقات واعتداءات جسدية، وحتى محاولات قتل
فى أوروبا:
– وثقت وكالات حقوقية أوروبية زيادة منهجية فى جرائم الكراهية ضد المسلمين
– فى عام 2023، سجلت النمسا وحدها 1522 حادثة إسلاموفوبيا «زيادة 263 حادثة عن العام السابق»
– فى فرنسا وألمانيا، شهدنا اعتداءات منظمة على المساجد والنساء المحجبات
المشكلة: الخلط بين التمييز الحقيقى والمشروع والتطرف الإخواني
يجب التوضيح: قسم كبير من «الإسلاموفوبيا» الحقيقية والتمييز الذى يتعرض له المسلمون هو تمييز غير مقبول، لكن الإخوان استغلوا هذا التمييز الحقيقى بطريقة ماكرة:
– استخدموا كل حالة تمييز حقيقية لكتم أصوات الانتقادات الشرعية لأيديولوجيتهم.
– صاغوا تعريفاً واسعاً جداً للإسلاموفوبيا يشمل حتى الانتقادات الأكاديمية الموثقة.
– جعلــوا من المســتحيل تقريباً انتقاد الإسلاموية أو الإخوان دون أن يُوصم الناقد بـ «معاد للإسلام».
السياق السياسى المتغير: ثلاث مراحل من الثقة إلى الانكشاف
المرحلة الأولى «2001 – 2010»: التمييز والقبول المشروط
فى أعقاب 11 سبتمبر مباشرة، اعتمدت الحكومات الغربية «خاصة الأمريكية» على تمييز واضح:
الفرقة المفترضة:
– الحركات الجهادية العنيفة «القاعدة، داعش، الجهاد الإسلامي» – يجب محاربتها وتدميرها
– جماعات إسلامية معتدلة وسلمية «الإخوان، CAIR، ISNA» – يمكن التعاون معها كشركاء موثوقين
الخطأ الإستراتيجى الكبير:
هذا التمييز جعل الإخوان الرابحين الأكبر من هجمات 11 سبتمبر. بدلاً من أن يكونوا فى الدفاع عن أنفسهم، حصلوا علي:
– شرعية سياسية من الحكومات الغربية
– وصول إلى مؤسسات حكومية عليا
– ثقة من المسئولين الغربيين
– منصات إعلامية
– تمويل وموارد
شهادة FBI الرسمية (2011):
كتب لورينزو فيدينو فى شهادته أمام الكونجرس: «رغم أن عضوية الإخوان ظلت صغيرة نسبياً، أظهروا قدرة هائلة على احتكار الخطاب الإسلامي، وفرض بصمتهم الأيديولوجية على أى قضية متعلقة بالإسلام، سواء كانت دينية أو سياسية.»
المرحلة الثانية «2010 – 2016»: الربيع العربى والإخفاق الذريع
ماتوقعته الحكومات الغربية:
فى عام 2011، عندما اندلعت الانتفاضات العربية، توقعت الحكومات الغربية «وخاصة الأمريكية» أن يلعب الإخوان دوراً بناءً فى بناء ديمقراطيات عربية جديدة. ساعدت الحكومات الغربية «خاصة أمريكا وأوروبا» الإخوان للوصول إلى السلطة.
ماحدث فعلاً:
– الإخوان وصلوا إلى السلطة فى مصر «2012- 2013» و فى غضون عام واحد، أظهروا وجهاً مختلفاً تماماً عن الصورة المعتدلة:
– استبداد شديد: سحبوا صلاحيات القضاء والبرلمان
– محاولة فرض أجندتهم الأيدلوجية: حاولوا تغيير دستور الدولة بطريقة جذرية
النتيجة:
– ثورة 30 يونيو 2013 أطاحت بالإخوان
– فقدان الثقة الكامل من الحكومات الغربية
– اكتشاف الغربيين أنهم كانوا ضحايا خطاب مزدوج منظم
المرحلة الثالثة «2016 – الحاضر»: الانكشاف التدريجى والتصنيف الإرهابي
>> التقارير الاستخبارية الأوروبية:
– ألمانيا: وكالة الاستخبارات الألمانية «BfV» أصدرت تحذيرات متكررة عن أنشطة الإخوان المريبة
– النمسا: حظرت جماعات إسلامية موالية للإخوان وصفتها كـ «متطرفة»
– فرنسا وهولندا وبلجيكا: بدأت تحقيقات جدية فى نشاطات الإخوان
التصنيف الإرهابى الرسمي:









