مؤخرًا استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني. وتناول اللقاء بحث سبل تسوية الأزمة السودانية، إلى جانب تعزيز ودعم العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين فى مختلف المجالات. وتعد الأزمة السودانية الراهنة واحدة من أدق الاختبارات التى واجهت الدبلوماسية والأمن القومى المصرى فى العصر الحديث. فالعلاقة بين القاهرة والخرطوم ليست مجرد علاقة جوار جغرافي، بل هى رباط وجودى يمتد عبر آلاف السنين، يجمعهما شريان النيل وتاريخ مشترك ومصير واحد. ومنذ اندلاع شرارة الصراع، تبنت مصر استراتيجية «النفس الطويل» والجهود المضنية التى لا تهدأ، واضعة استقرار السودان كأولوية قصوى لا تقبل المساومة. ولذلك هناك عدة مرتكزات ثابتة للسياسة المصرية تجاه السودان. وتتحرك الدولة المصرية وفق رؤية واضحة المعالم، تتلخص فى الحفاظ على الدولة الوطنية السودانية ومنع انهيار مؤسساتها. هذه الرؤية تنطلق من عدة مبادئ أساسية. وهي
احترام السيادة السودانية، ورفض أى تدخل خارجى يهدف إلى تأجيج الصراع أو تقسيم البلاد.
وحدة المؤسسات. وتؤكد مصر على أن الجيش السودانى هو المؤسسة الشرعية الوحيدة القادرة على حماية وحدة البلاد، مع ضرورة انخراط كافة القوى السياسية فى حوار وطنى شامل. وتتعامل القاهرة مع الأزمة من منظور أخلاقى وإنساني، واعتبار السودانيين الفارين من الحرب «ضيوفاً» وليسوا لاجئين.
فى الوقت الذى أغلقت فيه العديد من الجهات أبوابها، كانت الحدود المصرية-السودانية شاهداً على أسمى معانى الإخاء. استقبلت مصر مئات الآلاف من السودانيين، وقدمت لهم التسهيلات اللازمة للاندماج فى المجتمع المصري.
المساعدات، وتسيير «جسور جوية وبحرية» محملة بالأدوية والمواد الغذائية والمهمات الطبية إلى بورتسودان. إضافة إلي
إلحاق الطلاب السودانيين بالمدارس والجامعات المصرية، وتقديم الخدمات الطبية لهم دون تمييز.
وكذلك تسهيل حركة التجارة عبر المعابر البرية «قسطل وأرقين» لضمان استمرارية تدفق السلع الأساسية للداخل السوداني. وتدرك القاهرة أن استمرار الفوضى فى السودان يفتح الباب أمام تهديدات أمنية عابرة للحدود، مثل الهجرة غير الشرعية، وتجارة السلاح، وتسلل الجماعات المتطرفة. ولذلك فإن الجهود المصرية تضمنت تنسيقاً أمنياً رفيع المستوى لحماية الحدود المشتركة التى تمتد لأكثر من 1200 كيلومتر.
وتستمر الجهود المصرية اليوم من خلال استضافة مؤتمرات القوى السياسية والمدنية السودانية مثل مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية فى العاصمة الجديدة، بهدف خلق أرضية مشتركة تجمع كافة الأطياف. إن الهدف النهائى هو الوصول إلى «سودان موحد، مستقر، وديمقراطي»، يستطيع استغلال موارده الهائلة لرفاهية شعبه. إن ما تبذله مصر تجاه السودان ليس تفضلاً، بل هو واجب تفرضه وحدة المصير. وستظل القاهرة هى الداعم الأول والسند القوى للخرطوم، ولن تدخر جهداً حتى يعود الأمن والاستقرار إلى كل ربوع السودان، ليعود «وادى النيل» كما كان دائماً رمزاً للتعاون والازدهار.









