كم مرة أمسكت بزجاجة مشروب غازى وأعدت وضعها فى الثلاجة لتعاد للمصنع، دون أن تفكر أن هذا الفعل يحمى صحتك وبيئتك؟ لم نعد نرى هذا المشهد بعد الآن. اختفى الزجاج بهدوء، وصعد البلاستيك بلا نقاش أو اعتبار لصحة الناس، بينما يزداد ربح الشركات والمواطن الحلقة الأضعف.
حتى عام 2005، كانت الزجاجات تمثل نحو 65 ٪ من مبيعات المشروبات الغازية فى مصر، لكنها انخفضت إلى أقل من 5 ٪ عام 2015 قبل أن تختفى تقريبًا بحلول 2018. تكلفة الزجاجة البلاستيكية أقل بكثير من الزجاجية، ما جعل التحول اقتصاديًا مربحًا للشركات على حساب البيئة والصحة.
البلاستيك يتفاعل مع الحرارة، والمشروبات الغازية تزيد هذا التفاعل. عند حرارة تتجاوز 30 .. تبدأ مواد مثل الـ BPA والفثالات فى التسرب، وفى صيف مصر قد تصل حرارة السيارات إلى 50-65 ْ. هذه المواد مرتبطة بأمراض خطيرة مثل اضطرابات الغدة الدرقية، السرطان، السمنة، مشاكل الخصوبة وتأثيرات على نمو الأطفال. فى مصر ارتفعت الأمراض المرتبطة بالتمثيل الغذائى بنسبة 22 ٪.
كانت مصر تعيد تدوير أكثر من 80 ٪ من الزجاجات بفضل نظام الاسترجاع، لكن بعد هيمنة البلاستيك انخفضت نسبة التدوير إلى 14 ٪ فقط، وتضاعفت النفايات البلاستيكية أكثر من ست مرات.
الزجاج كان جزءًا من نظام اقتصادى دائرى يُستخدم فيه الزجاج الواحد عشرات المرات، بينما البلاستيك يستخدم مرة واحدة فقط.
وزارة الصحة أصدرت مواصفات منذ 2016، لكن التزام نقاط البيع ضعيف، وتظل ملايين العبوات فى حرارة غير آمنة. فى أوروبا تُجبر الشركات على جمع 70-90 ٪ من عبواتها، بينما فى مصر لا يوجد حد أدنى للتجميع، مما يسمح بتحقيق أرباح ضخمة دون مسؤولية صحية أو بيئية.
مصر تنتج نحو 6 ملايين طن من النفايات البلاستيكية سنويًا، ويصل نحو 150 ألف طن منها إلى البحر، بينما وجدت دراسة جامعة الإسكندرية 2020 ميكروبلاستيك فى 70 ٪ من عينات الأسماك.
ثمة دول مثل ألمانيا والبرازيل نجحت فى إعادة الزجاج للقائمة، مع نظام الإيداع والاسترجاع وتحقيق إعادة تدوير واسعة، ما خفف النفايات وزاد الوعى الصحية
الإصلاح ممكن فى مصر: إعادة طرح الزجاجات القابلة للإرجاع، إلزام الشركات بجمع 50 ٪ من البلاستيك، فرض رسوم بيئية، وإنشاء خطوط إنتاج زجاجية وطنية، وحملات توعية.
الزجاج لم يكن مجرد مادة، بل وعد بالسلامة والاحترام للمستهلك. إذا لم نتحرك، سيترك البلاستيك أثرًا لا يُمحى على أجسامنا وبيئتنا. الأمر لا يتعلق بزجاجة، بل بحقنا فى الصحة والكرامة.









