يبحث الانسان دائما عن الأمان والاستقرار وحماية حياته وعرضه وماله ويبذل فى سبيل ذلك كل جهده.. ولذلك قد يجول الانسان قارات العالم بحثا عن الأمان والاستقرار والنجاة بحياته من الطوفان.. لكن أهل غزة الكرام قلبوا كل الموازين ومقاييس العقل والمنطق، وتحلوا بالقدر الأكبر من الشجاعة والتمسك بالوطن.. حطم أهل غزة كل المخاوف والهواجس النفسية ولم يهربوا من الطوفان او يبحثوا عن النجاة بعيدا عن أرضهم فهى فى نظرهم رمز عزتهم وكرامتهم.
عندما تم توقيع اتفاق وقف النار فى غزة منذ أكثر من شهرين توقعت مع ملايين المهمومين بهموم غزة وأهلها أن يشهد معبر رفح طوفانا من الهجرة الجماعية لأهل غزة بعد ما عانوه من قتل وتدمير وتخريب لبيوتهم ومقومات حياتهم طوال عامين كاملين، لكن فوجئنا جميعا بعدم رغبة الأغلبية الساحقة من أهل غزة فى تركها، وتفضيل البقاء فيها تحت المعاناة اليومية، والحرمان من أبسط مقومات الحياة الكريمة عن الخروج منها إلى بلاد أخرى أكثر أمانا واستقرارا حتى ولو على سبيل النقاهة وتخفيف معاناة عامين من المعاناة تحت وطأة عذاب القصف اليومى والقتل الجماعى والحرمان من أبسط مقومات الحياة.. بل على العكس علمت من مصادر موثوقة بأن فى مصر حاليا مئات من الأسر الفلسطينية التى كانت بها وجاءت بعضها من دول عدة يرغبون ويلحون فى العودة إلى ديارهم المدمرة التى محاها أحقر جيش عرفه التاريخ.
هؤلاء الأبطال ينتظرون منذ توقيع وقف إطلاق النار فى شرم الشيخ بلهفة أن يتعقل مجرم الحرب الصهيونى وينفذ المرحلة الثانية من الاتفاق ويسمح بفتح معبر رفح من الجانبين ليدخل من يريد الدخول برغبته، ويخـرج من هو مضطر للخروج للعلاج أو الدراسـة أولم شمل الاسرة.. لكن للأسف لايزال مجرم الحرب الصهيونى مع عصابته المجرمة التى تتحكم فى القرار السياسى فى تل أبيب يماطل ويسوف ويتلاعب بإرادة المجتمع الدولى الذى يتطلع إلى تحقيق سلام حقيقى فى المنطقة.
> هذا المشهد غير المسبوق فى تاريخ الحروب وتوجهات ضحاياها يؤكد إلى أى مدى يتمسك أهل غزة بتراب بلادهم حيث لم يعد فيها إلا التراب.. يؤكد هذا المشهد التاريخى أن أهل غزة لن يقهرهم أحد مهما بلغت قوته وجبروته.. لن يجبرهم أحد على ترك وطنهم الذى قدموا من أجله تضحيات كثيرة وستظل غزة عربية إسلامية وشوكة قوية فى ظهر المحتلين المجرمين.. لن يفر أهل غزة من الخطر.. بل سيسيرون عكس الاتجاه.. وسيبقون فى وطنهم من أجل إعادة إعماره ليعود بإذن الله افضل مما كان.
الفلسطينيون الذين ينتظرون دخول غزة يعيشون حالة انتظار ثقيلة، انتظار لايشبه أى انتظار.. هؤلاء لا ينتظرون فرصة للهجرة، ولا يبحثون عن لجوء دائم، ولايفاوضون على مستقبل أكثر أمانًا.. إنهم ينتظرون فتح معبر رفح.. ليعودوا إلى غزة العزيزة على قلوبهم ففيها ولدوا وفى ترابها يدفنون.
هؤلاء يعرفون جيداً إلى أين يعودون.. فغزة الآن بلا مساكن أو مرافق أو مقومات حياة.. غــزة لا كهربـــاء فيها، ولا ماء منتظـــم، ولا أمان، ولا ضمان للغد. غزة التى مازالت تحت القصف، والتى تحولت شوارعها إلى ذاكرة مفتوحة للفقد، وبيوتها إلى أطلال. ومع ذلك، يصر هؤلاء على العودة.
لا يقبل أهل غزة وطنا بديلا لهم فى أى بلد آخر، ومع أنهم فى مصر يشعرون بدفء الاخوة الحقيقية والاخاء الإنسانى والدعم التاريخى لقضيتهم إلا أنهم يرغبون فى العودة إلى بلادهم.. هم يعتبرون أن مصر هى محطة انتظار، رصيف مؤقت، مساحة بين مكانين: مكان خرجوا منه اضطرارًا، ومكان يريدون العودة إليه اختيارًا. يعيشون حياة معلّقة، حقائبهم جاهزة، أوراقهم محفوظة، وقلوبهم هناك فى غزة.
سلوك هؤلاء الأبطال يكشف عن الطبيعة الفدائية للشعب الفلسطيني.. فكل التحية لأبناء الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة فهم حراس أمناء على وطنهم وسوف ينصرهم الله إن عاجلا أو آجلا.. فلن يضيع وطن يسكنه ويرتبط به أبطال.









