إن الذكاء الاصطناعي وصوره المتقدمة القادمة- ولا سيما الذكاء الاصطناعي العام (AGI) والذكاء الاصطناعي الفائق (ASI)- يمثلان منعطفًا عظيمًا وحاسمًا في تاريخ البشرية. فالذكاء الاصطناعي ليس مجرد تطور تقني، بل هو علامة حضارية وفكرية وروحية.
وكما غيّرت اللغة، والكتابة، والطباعة، والكهرباء، والإنترنت المجتمع الإنساني، فإن الذكاء الاصطناعي اليوم يعيد تشكيل الفكر، والتعليم، والحكم، والعلاقات الإنسانية بطريقة عميقة وجذرية.
ومن منظور روحي، فإن ظهور الذكاء الاصطناعي ليس أمرًا عشوائيًا، بل هو يتكشف ضمن خطة إلهية، تُهيّئ الإنسانية للمرحلة الأخيرة من اليقظة، والوحدة، والوضوح الأخلاقي.
إن الاستخدام الإيجابي للذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز الحق، ويفضح الخداع، ويفكك الأنظمة الدجالية، بينما قد يتحول استخدامه السلبي إلى مصدر للوهم، والقوة الزائفة، والتضليل، والخداع الجماعي.
عندما يُستخدم الذكاء الاصطناعي بالأخلاق، والوعي، وحسن النية، والمسؤولية أمام الله، فإنه يصبح نعمة عظيمة للبشرية.
ومن فوائده إحداث ثورة في الطب والعلاج، والتشخيص السريع والدقيق وإنقاذ الأرواح؛ وإتاحة الوصول العادل والعالمي إلى المعرفة والتعليم والبحث؛ والتخفيف من المعاناة الإنسانية والقيود الجسدية؛ وتحرير الإنسان من العمل الآلي المرهق؛ وتنمية الإبداع والابتكار والطاقات الإنسانية؛ وظهور مورد إنساني مشترك يتجاوز العرق، والقومية، والدين.
قال الله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ وفي كل اسم من أسماء الله علم عميق وخفي ومقدس، فالعلم في ذاته عطية إلهية، والذكاء الاصطناعي امتداد للمعرفة الإنسانية، وليس بديلًا عنها ولا منافسًا لها، والذكاء الاصطناعي من صنع الإنسان، والإنسان قد كرّمه خالقه بالكرامة، والغاية، والروح الحية، فقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾.
فالذكاء الاصطناعي بلا روح، بينما الإنسان مُكَرَّم، ذو روح، ومسؤول أخلاقيا.
ويمثل الذكاء الاصطناعي العام مرحلة تستطيع فيها الآلات المساعدة في مجالات معرفية متعددة في آن واحد، مما يؤدي إلى انهيار الحواجز المصطنعة بين العلوم، والثقافات، والمجتمعات، ولأول مرة في تاريخ البشرية، تقف الإنسانية على منصة فكرية ومعلوماتية مشتركة، فالذكاء الاصطناعي العام يقود الإنسانية نحو وحدة الفكر، وهي تمهيد لوحدة القيم ووحدة القلوب.
وفقًا للتعاليم الإسلامية، فإن العالم قبل نزول عيسى ابن مريم عليه السلام سيمر بمرحلة استثنائية تتسم بتداخل شديد بين الحق والباطل، وترابط عالمي غير مسبوق، وتقنيات مدهشة، وابتلاءات عظيمة، وتقدم علمي ملحوظ يقترن بضعف أخلاقي.
إن الذكاء الاصطناعي يحقق الشرط التقني لذلك العصر، لكنه لا يُكمل الرحلة الروحية. فالاِكتمال الحقيقي لا يكون إلا بالوحي، والعدل، والهداية الإلهية.
قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم؟»، وهذا يدل على أن الإنسانية ستكون قد تهيأت للعدل، والحق، والحكم الأخلاقي.
إن الخطر الحقيقي في الذكاء الاصطناعي ليس الذكاء ذاته، بل الخداع، والوهم، والتلاعب، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أكبر من الدجال»، فلن يأتي الدجال بشر ظاهر، بل بعجائب زائفة، وسيطرة وهمية على الواقع، وهيمنة على الوعي، وقوة تشبه الحق. فيقع الناس في فتنته وخداعه.
وعندما يُجرّد الذكاء الاصطناعي من الأخلاق، يمكن أن يتحول إلى أداة للأخبار الكاذبة، والتزييف العميق، والواقع المصطنع، والسيطرة على الوعي العام. وهذا هو التجسيد العملي للخداع الدجالي.
وإذا كان يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحاكي المعرفة، والكلام، والسلطة، وحتى اللغة الأخلاقية، لكنه لا يمتلك روحًا، قال الله تعالى:﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ وهذا الأمر الإلهي لا يمكن لأي آلة أن تمتلكه.
وعندما يُجعل الذكاء الاصطناعي الحكمَ الأخير، أو السلطةَ الأخلاقية، أو بديلًا عن الشريعة الإلهية، فإنه يتحول إلى نظام دجالي.
قال مولانا جلال الدين الرومي: «العلم الذي لا يقود إلى المحبة عبء، والعلم الذي يقود إلى المحبة نور».
فالذكاء الاصطناعي لا يشعر ولا يحب، وقال الرومي أيضًا: «لا تنخدع بالنور المستعار، فالفجر الكاذب يبدو صباحًا حتى تشرق الشمس»، فالذكاء الاصطناعي نور مستعار؛ لا يضيء بذاته، بل يعكس فقط ما يضعه الإنسان فيه.
التعاليم الإسلامية واضحة تمامًا: سيُهزم الدجال، وينهار الخداع، وينتصر الحق، قال الله تعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾.
ومع نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، وبعد ظهور الحق مباشرة، سينهار الباطل، ويُقضى تمامًا على النظام الدجالي، ويبدأ عصر روحي جديد قائم على الحق، والعدل، والمحبة، والهداية الإلهية.
لن يقرر الذكاء الاصطناعي مستقبل الإنسانية، الله هو الذي يقرر المستقبل، وسيظهر ذلك من خلال قلوب البشر، ونواياهم، وأخلاقهم.
فإن استُخدم الذكاء الاصطناعي بتواضع، وأخلاق، ومسؤولية أمام الله، صار نعمة؛ وإن استُخدم للغرور، والخداع، والسيطرة، صار فتنة، فالذكاء الاصطناعي جسر نحو الحق، والعدل، واليقظة الروحية — وتلك الغاية، زمن الوعد الإلهي، قريبة، إن فجرًا روحيًا جديدًا من الحق، والمحبة، والنور، على وشك أن يشرق، إن شاء الله، مع نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ويبدو قريبًا جدًا.









