مهما اختبأ هؤلاء المراوغون خلف ضباب الفوضى وزحام المصالح الشخصية ، ومهما كان نفوذ وسطوة بعض ممن يجلسون على مقاعد المسئولية وهم غير جديرين بتحمّلها ، ومهما ارتفع صوت حماة الرداءة فى مواجهة اصحاب الكفاءة ، ومهما اعتلت الحشرات ظهور الخيول الأصيلة ، مهما حدث كل هذا فلن يصح إلا الصحيح ، ولامجال لتغيير القيم واهتزاز الثوابت ، أتدرون لماذا ؟ لإن هذا هو حكم الله فى ملكه ، فقط استعرض متأملا حكمة تلك الكلمات الربانية «ألم يعلم بأنّ الله يرى ؟»
>>>>
باللغة العامية « هو مش واخد باله ان ربنا شايف وسامع وعارف « ، من هنا أجدنى على يقين تام بأن الله معنا يسمعنا ويرانا ويسمع غيرنا ويراهم ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور من نوايا انه سبحانه يعلم السر وأخفى من السر ، طالما آمنت بذلك فليس عليك إلا أن تعمل وتقول مجردا ما تظنه صوابا وتواجه صادقا ما تظنه خطأ ، من هذا المنطلق اكتب واتكلم غير عابئ بما يقوله ويفهمه البعض من قولى أو عملى طالما هو مجرد لله والوطن ، ارصد حالة من اللامبالاه تستشرى فى جسد الأمة والكثير من مؤسسات الدولة تعانى من هذه الحالة .
>>>>
يبدو أن غياب الشعور بالمسئولية لم يعد مجرد توصيف انفعالى لحالة عابرة تحدث هنا او هناك ، بل بات أقرب إلى تشخيص واقعى لمشهد يتكرر أمامنا فى كثير من المؤسسات العامة ، حالة من اللامبالاة الصامتة، وعدم التفاعل الحقيقى مع ما يدور من أحداث، يقابلها ارتباك واضح فى المواقف، وسيولة فى القرارات، وخلط للأوراق يجعل من الصعب تمييز الخطأ من الصواب، أو معرفة من يتحمل المسئولية ومن يتهرب منها. كأن المشهد كله يُدار بعقلية الانتظار، لا الفعل، وبمنطق الهروب لا المواجهة.
>>>>
فى هذا السياق، يلفت الانتباه ذلك السكون الغريب الذى يخيّم على بعض المسئولين، لا حركة، لا مبادرة، لا رأى واضح، ولا استعداد للاشتباك مع الواقع مهما كان ضاغطًا. صمت لا يشبه الحكمة، ولا يعكس تروّيًا محسوبًا، بل يوحى بخوف عميق من اتخاذ القرار، أو قلق دائم من تحمّل تبعاته. فيتحول المنصب من موقع قيادة إلى مساحة آمنة للاختباء، ومن أداة لخدمة الصالح العام إلى درع شخصى لتجنب المساءلة.
>>>>
المفارقة أن الأزمات لا تنتظر هذا الصمت، ولا تعبأ بالحسابات الضيقة. المشكلات تتراكم، والوقائع تفرض نفسها، لكن الردّ المؤسسى غالبًا ما يأتى متأخرًا، أو ملتبسًا. بدلاً من المواجهة الصريحة، نرى محاولات للمراوغة، وتدوير الكلام، وتشكيل لجان بلا أفق، وإلقاء اللوم على الظروف أو على أطراف غائبة. هكذا تتحول الأزمة من تحدٍّ يتطلب قرارًا شجاعًا، إلى عبء يسعى الجميع للتخلص منه بأقل قدر ممكن من الخسائر الشخصية.
>>>>
ومع الوقت، تترسخ حالة من السيولة داخل المؤسسة. لا خطوط فاصلة واضحة، ولا أولويات مستقرة، ولا خطاب صادق يمكن البناء عليه. كل شيء قابل للتأجيل، وكل موقف مؤقت، وكل قرار قابل للمراجعة دون مبرر. فى هذا المناخ، تفقد المؤسسة صلابتها، وتضعف قدرتها على التأثير، ويتراجع حضورها فى وعى الناس بوص
ؤسسات عاجزة عن الفعل، ومسئولين يلوذون بالصمت، تتآكل الثقة تدريجيًا. يتحول الإحباط إلى شعور عام، وتفسح الساحة للشائعات، والتأويلات، والبدائل غير الرسمية. ومع كل أزمة تُدار بلا حسم، تتسع الفجوة بين المواطن والمؤسسة، ويتكرس الإحساس بأن لا أحد يمسك بالدفة.
>>>>
المسئولية، فى جوهرها، ليست منصبًا ولا لقبًا، ولا مجرد توقيع فى نهاية ورقة. المسئولية هى وعى بالدور، واستعداد لتحمّل الكلفة، وشجاعة فى الاعتراف بالمشكلة قبل البحث عن تبريرها. هى القدرة على اتخاذ قرار فى لحظة ضبابية، والوقوف خلفه، حتى إن كان غير شعبى أو محفوفًا بالمخاطر. أما غياب هذا المعنى، فيحوّل العمل العام إلى إدارة وقت لا إدارة أزمات، وإلى حفظ مواقع لا صناعة حلول.
>>>>
كثير من المؤسسات تمتلك الهياكل، والقوانين، والموارد، لكنها تفتقد الروح التى تحرّكها. روح المسؤولية التى تجعل القرار فعلًا أخلاقيًا قبل أن يكون إجراءً إداريًا. وحين تغيب هذه الروح، يصبح الخطأ الصغير قابلًا للتحول إلى أزمة كبيرة، لأن لا أحد بادر فى الوقت المناسب، ولا أحد امتلك الجرأة ليقول: هنا الخلل، وهنا يجب أن نتحرك.
>>>>
إن أخطر ما فى غياب الشعور بالمسئولية ليس الفشل فى إدارة ملف أو تجاوز أزمة، بل تطبيع هذا الغياب بوصفه أمرًا عاديًا. حين يصبح الصمت سياسة، والتأجيل أسلوبًا، والهروب سلوكًا مقبولًا، نكون أمام أزمة أعمق من أى خلل إداري. نكون أمام أزمة معني، وأزمة دور، وأزمة ثقة. فالدولة لا تقوم على المؤسسات وحدها، بل على إحساس من يديرونها بأنهم مسئولون، حقًا، عما يفعلون وما لا يفعلون.








