صديق النجوم وكاتم أسرارهم ..وأول من أسس للتسويق السينمائي في مصر و جمعية المؤلفين والملحنين
من أغانيه على فكرة إزيهم و«الحلو أبو شامة على” جبينه» و«عاملي مش واخد باله» و«الولة جه»
في مثل هذه الأيام لا يكون إستدعاء الأسماء مجرد حنين بل إستدعاء لقيمة ولمرحلة كاملة من الوعي والتميز والإبداع تمر الذكرى السابعة والعشرون لرحيل الكاتب والمؤرخ الفني الكبير عبدالله أحمد عبدالله.
أحد العقول التي صنعت وجدان الفن المصري وواحد من الذين لم يكتفوا بأن يكونوا شهودًا على العصر بل شاركوا في صناعته حرفًا وضحكة وفكرة.
وُلد عبدالله أحمد عبدالله في العاشر من أكتوبر عام 1919 بحي باب الشعرية بالقاهرة ذلك الحي الشعبي الذي أنجب رموزًا كثيرة وكأن روحه الساخرة والبسيطة خرجت من قلب شوارعه وعلى مدار أكثر من سبعة عقود ترك إرثًا فنيًا وإعلاميًا هائلًا جعله حاضرًا في معظم التحولات الثقافية والفنية التي شهدتها مصر والعالم العربي.
إرتبط عبدالله بعلاقات صداقة متينة مع كبار الفنانين والمبدعين وكان قريبًا من تفاصيل حياتهم وكواليس أعمالهم.

بدأ عبدالله أحمد عبدالله مشواره مبكرًا جدًا منذ نشاطه المدرسي حين لعب دورًا بارزًا في تنظيم أول مؤتمر سينمائي مصري عام 1936 وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره المؤتمر الذي عُقد بحديقة الأزبكية في العتبة إختير عبدالله سكرتيرًا عامًا له في دلالة مبكرة على موهبته وثقة الكبار فيه.
إنطلق بعدها في عالم الصحافة متنقلًا بين الصحف والمجلات حتى إستقر في مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر، حيث عمل في جريدتي «الجمهورية» و«المساء»، ليصبح لاحقًا واحدًا من علامات الصحافة الفنية الساخرة وفي عام 1938 وأثناء عمله بجريدة «الحديقة والمنزل» أطلق عليه رئيس التحرير لقب «ميكي ماوس» بعد أن قدّم له رسمًا كاريكاتيريًا للشخصية الشهيرة وطلب منه كتابة زجل عنها ليصبح اللقب ملازمًا له حتى آخر أيامه.
لم يكن عبدالله مجرد صحفي بل مبدعًا متعدد المواهب كتب عشرات الأغنيات التي لا تزال عالقة في الوجدان من بينها:«على فكرة إزيهم» و«الحلو أبو شامة على جبينه» لمحمد قنديل و«عاملي مش واخد باله» و«الولة جه» لشريفة فاضل كما كتب مئات البرامج الإذاعية والتمثيليات وكان أول من قدم أوبريت «عويس ومسعدة» للتلفزيون إلى جانب عشرات السيناريوهات السينمائية.
لم يتوقف عند الإبداع فقط بل كان رائدًا في مجال التسويق السينمائي حيث يُحسب له أنه أول من طرح فكرة الحملات الترويجية المنظمة للفيلم المصري.

في إطار دوره المؤسسي كان عبدالله أحمد عبدالله من مؤسسي جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى وتولى رئاستها عامي 1956 و1957 كما لعب دورًا مهمًا في إكتشاف ودعم العديد من المواهب في الغناء والتمثيل ومن بينهم أنيس عبيد مترجم الأفلام الشهير.
صحفيًا إرتبط إسمه ببابه اليومي الشهير في جريدة «المساء» بعنوان «أنت تسأل وميكي ماوس يجيب» وهو باب إستمر بلا إنقطاع حتى وفاته ونجح في خلق علاقة حميمة بين القارئ والصحيفة وتلفزيونيًا قدم برنامج «نجوم لها تاريخ» الذي وثّق فيه حكايات الفنانين المصريين والعرب وكان آخر عطائه الإبداعي 30 حلقة عن الحياة الفنية عُرضت على القناة الثالثة.
إنسانًا كان عبدالله أحمد عبدالله نموذجًا للبساطة واللباقة وخفة الظل يحكي فيضحك من حوله ويستعيد الذكريات كأنها تحدث الآن بشوش متواضع قريب من القلب وصاحب قدرة فريدة على تحويل الألم إلى إبتسامة وقد نال خلال مسيرته العديد من الجوائز والتكريمات من مؤسسات وجمعيات ومهرجانات فنية تقديرًا لإسهاماته الكبيرة.
برحيل عبدالله أحمد عبدالله في 18 ديسمبر 1998 فقدت الساحة الفنية والإعلامية عقلًا لامعًا وقلبًا محبًا وقلمًا صادقًا لكنه كالكبار دائمًا لم يرحل حقًا ترك أثره في الأغنية وفي الكلمة وفي ذاكرة الفن وترك فينا نحن الذين إقتربنا منه درسًا لا يُنسى: أن الإبداع الحقيقي لا يصنع الضجيج بل يصنع البقاء








