لم يعد خافياً على أحد أن شريحة واسعة من المواطنين أصبحت فريسة سهلة لما يمكن تسميته بـ الرأسمالية المتوحشة، تلك التى لا ترى فى الإنسان إلا رقماً فى عقد، ولا فى أحلامه إلا فرصة للربح السريع. تتجلى هذه الظاهرة بوضوح فى مجالات توظيف الأموال بأشكالها المختلفة، وفى شركات التطوير العقارى التى تمددت بلا ضوابط حقيقية.
>>>
فى قطاع التطوير العقارى تحديداً، نرى استئساداً غير مسبوق للمطورين على الناس، عبر عقود إذعان صريحة، وشروط مجحفة لا تترك للمواطن أى مساحة للتفاوض أو الاعتراض. المواطن يُجبر على التوقيع، لأنه لا يملك بديلاً، ثم يبدأ مسلسل المعاناة:
تأخيرات مزمنة فى الاستلام، تعثر أو توقف فى التنفيذ، تغييرات فى التصميم أو فى الملكية، وأحياناً نقل المشروع بالكامل من شركة إلى أخرى دون الرجوع إلى الملاك أو حتى إخطارهم. كل ذلك يحدث بينما يظل المواطن معلقاً بين وعود لا تُنفذ، وأموال دفعها من عمره أو من قروض بنكية سيظل يسددها لسنوات طويلة.
>>>
الأخطر أن هذه الشركات لا تستثمر فقط بأموال «الغلابة»، بل تعتمد أيضاً على أموال البنوك، أى أموال المودعين فى الأساس، ثم تحقق أرباحاً خيالية فى سوق شبه مغلقة، بينما يتحمل المواطن وحده المخاطر والخسائر. معادلة مختلة:
الربح مضمون للشركات، والخسارة محتملة ـ بل شبه مؤكدة ـ على الناس.
>>>
الواقع يقول إن المواطن تُرك وحيداً فى مواجهة كيانات اقتصادية ضخمة تمتلك المال والنفوذ والمحامين.
والدليل الصارخ على ذلك هو كم الشكاوى والاستغاثات والنداءات الصادرة من آلاف مؤلفة من المصريين.
>>>
هذا الأمر يحتاج مساءلات برلمانية عاجلة، وإلى صحافة لا تكتفى بنقل البيانات الرسمية. لكن هنا يبرز السؤال الأخطر:
هل سيترك رجال الأعمال والمطورون مصالحهم الضخمة دون حماية؟
الإجابة الواقعية: بالطبع لا.
>>>
من هنا تظهر فكرة اللوبيهات الضاغطة، تلك الشبكات التى تعمل لصالح من يمولها ويديرها، وتستخدم كل الأدوات الممكنة: حتى تشويه الأصوات الناقدة. وهنا ينكشف عوار خطير فى بنية المشهد كله، وهو التداخل الرسمى والشراكة المعلنة أو المستترة بين من يُفترض أنه ينظم السوق، ومن يعمل فيه، بين من يُفترض أنه يراقب، ومن يُفترض أنه خاضع للرقابة.
>>>
فى هذه اللحظة، تختفى الحقيقة، وتُقتل الأصوات المدافعة عنها، إما بالتجاهل، أو بالتخويف، أو بالتشويه. ويصبح المواطن البسيط هو الحلقة الأضعف دائماً، يدفع الثمن وحده، بلا حماية حقيقية، ولا أفق واضح للإنصاف.
>>>
المجتمع اليوم فى حاجة ماسة إلى إعادة تنظيم وإعادة ترتيب:
إعادة تعريف دور الدولة، وتشديد الرقابة والمساءلة، إعادة التوازن بين رأس المال وحقوق الناس. وإلا فإننا سنصل ـ وربما وصلنا بالفعل ـ إلى تلك القناعة القاتلة التى يخشاها الكثيرون:









