فى لحظة فارقة من مسار الاقتصاد الوطني، تجدد الدولة دعوتها الصريحة والواضحة لرجال الأعمال والمستثمرين، محليين وأجانب، لمضاعفة استثماراتهم، مستندة إلى واقع اقتصادى أكثر صلابة ومناخ استثمارى بات أكثر جذبا واستقرارا، وفرص واسعة وواعدة تؤكدها الأرقام قبل التصريحات.
فخلال الفترة من يناير حتى أكتوبر من العام الجاري، حقق الاقتصاد المصرى إنجازا لافتا بتسجيل أقل عجز تجارى خلال عشر سنوات، إلى جانب تحقيق أعلى صادرات غير بترولية فى تاريخها بقيمة 40.7 مليار دولار، وأكبر زيادة سنوية فى حجم الصادرات بلغت 6.5 مليار دولار، فضلاً عن تسجيل أكبر حجم تجارة خلال عقد عند 107.6 مليار دولار. وهى مؤشرات لا تعكس تحسنًا شكليًا، بل تحسنًا هيكليًا قائمًا على زيادة الصادرات لا خفض الواردات، ما يعكس تنامى القدرات الإنتاجية وتعاظم كفاءة الاقتصاد الحقيقي.
هذا التوجه كان حاضرا بقوة فى الاجتماع الذى عقده الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مع رؤساء المجالس التصديرية، بحضور المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، حيث أكدت الحكومة مجددًا أن ملف التصدير يحتل أولوية قصوى باعتباره أحد أهم مفاتيح تحقيق النمو المستدام، وتعزيز موارد النقد الأجنبي، وتقليص العجز التجاري، وخلق فرص العمل.
وخلال الاجتماع، شدد رئيس الوزراء على أن ما تحقق يدعو للفخر، لكنه ليس سقف الطموح، مؤكدًا أن المرحلة المقبلة تتطلب العمل على استدامة وزيادة الصادرات، فى ظل ما تبذله الدولة من جهود متواصلة لتهيئة بيئة استثمارية جاذبة، وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، وإزالة المعوقات أمام مجتمع الأعمال.
الأرقام التى استعرضها وزير الاستثمار والتجارة الخارجية كشفت بوضوح أن الزيادة فى الصادرات جاءت نتيجة ارتفاع حجم الاستثمارات وتحسن استغلال الطاقات الإنتاجية، وهو ما انعكس إيجابًا على مختلف القطاعات التصديرية، من مواد البناء، والكيماويات والأسمدة، والصناعات الغذائية، إلى الصناعات الهندسية والإلكترونية، والحاصلات الزراعية، والملابس الجاهزة، والغزل والنسيج، والصناعات الطبية، وغيرها.
أما رؤساء المجالس التصديرية، فقد قدموا شهادة عملية على تحسن مناخ الاستثمار، مؤكدين أن دخول استثمارات أجنبية كبري، خاصة فى قطاعات مثل الأجهزة المنزلية، كان له أثر مباشر فى طفرة الصادرات، معربين عن تفاؤلهم الواضح بالمرحلة المقبلة، ومجمعين على أن عام 2026 سيكون أكثر تفاؤلاً فيما يتعلق بمعدلات الصادرات المصرية.
ولعل الأهم هو التوجه الجاد نحو توطين صناعة المكونات وتعميق الصناعة الوطنية، بما يسهم فى خفض فاتورة الاستيراد وتعزيز القيمة المضافة المحلية، وهو ما ينعكس بوضوح فى قطاعات مثل الملابس الجاهزة، التى حققت مستهدفاتها بالفعل، ومن المتوقع أن تنمو صادراتها بنسبة تتراوح بين 28٪ و30٪ خلال العام المقبل، مدفوعة باستثمارات مصرية وصينية وتركية كبيرة.
الصورة الإيجابية تمتد كذلك إلى قطاعات الكيماويات والأسمدة، والأثاث، والحاصلات الزراعية، والصناعات الغذائية، والعقارات، وغيرها من القطاعات التى باتت المنتجات المصرية فيها تحظى بثقة وتقدير متزايدين فى الأسواق العالمية، بفضل تحسن الجودة والالتزام بالمواصفات الدولية، وتوافر الأراضى المُرفّقة، خاصة فى المدن الجديدة والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
رسالة رئيس الوزراء جاءت حاسمة ومباشرة: «ضاعفوا استثماراتكم.. المناخ جاذب.. والفرص واسعة وواعدة». رسالة تعكس ثقة الدولة فى مؤشرات الاقتصاد، وفى قدرة القطاع الخاص الوطنى على التوسع والمغامرة المحسوبة، أسوة بنماذج ناجحة أثبتت أن الرهان على مصر هو رهان رابح.
إن ما تشهده مصر اليوم ليس مجرد تحسن فى أرقام التجارة الخارجية، بل هو تحول تدريجى نحو اقتصاد إنتاجى وتصديرى أكثر تنافسية. ومع استمرار الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، وتكامل السياسات التحفيزية، تبدو الفرصة مواتية لترسيخ هذا المسار، وتحويل التفاؤل إلى واقع، والأرقام الإيجابية إلى قصة نجاح مستدامة.









