قرية لا تعرف البطالة

جولة : نفيسة مصطفى
قرية ساقية المنقدى بمركز أشمون قلعة صناعة الصدف حيث تجمع بين الفن التقليدى والهندسة الإسلامية القديمة واللمسات العصرية.. تميزت فى صناعة الأثاث بالصدف.. أنامل الحرفيين بها تبدع فى مزج الحرفة بالهواية وبين الأرابيسك وصدف البحر لتنتج قطعا فنية تجمع بين سحر وأصالة التاريخ واللمسات العصرية.. حتى صارت القرية عالما خاصا من صناعة الصدف.. الحرفيون بها ملوك «الصنعة» فهى علامة مميزة وتطلب بالاسم فى دول الخليج العربى وأوروبا وأمريكا وتركيا ودول شرق آسيا.. عرفت القرية مهنة الصدف فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى على يد أحد أبنائها الحاج محمود قوطة بعدما تعلمها فى القاهرة وقام بتعليمها أهالى قريته حتى صارت مركزا رئيسيا للصناعة لأنهم يتميزون بالمهارة اليدوية حتى أصبحت قرية لا تعرف البطالة.. «الجمهورية» فى جولة ميدانية بمصانع الصدف بساقية المنقدى وجدنا مصانع وورش الصدف تزين القرية هناك حيث عراقة التاريخ وأصالة الفنون الإسلامية وحالة الدمج الجميلة بين الأرابيسك والصدف ومهارة «الصنايعى المصرى» فى إنتاج تحف فنية فكل حرفى يتعامل مع قطعة الصدف من تقطيعه وتطعيمه بداخل الأرابيسك وكأنها لوحة فنية حتى تخرج على أشكال طاولات شرقية ومجالس عربية وأبواب مطعمة بالصدف.. فصارت القرية الريفية البسيطة مملكة لصناعة الصدف.
محمد عدلان يحكى قصته مع الصدف قائلاً: هى مهنة تشتهر بها القرية منذ السبعينات على يد الحاج محمود قوطة والذى تعلمها فى الحسين ثم عاد إلى قريته لفتح ورشة لصناعة الصدف وتعليم شباب القرية وبالفعل صارت مهنة أهل القرية ومصدر دخل لهم وأصبحت «تجرى فى دمه» ورغم اتمام دراسته وحصوله على معهد كمبيوتر إلا انه قرر البقاء فى مهنة الصدف بعدما أصبح فيها 20 ورشة وأصبحت قريتهم «لا تعرف البطالة».
يضيف انه يتم استيراد المواد الخام من دول عديدة، الأخشاب تستورد من السويد أما البوليستر فمن تركيا والصدف من عمان واليابان واستراليا والتصدير يكون عن طريق رجال الأعمال وشركات الشحن إلى دول أوروبا والخليج والمصنوعات التى تطلب هندسة إسلامية قديمة «الشغل المصرى المميز».
موضحا ان الدول الأوروبية تفضل منتجات الصدف من «شغل الرفايع» مثل علب الهدايا وأطقم الصوانى والمباخر والبراويز وديكورات الحائط.. أما دول الخليج مثل السعودية والإمارات والعراق وقطر فيكون الإقبال على صناعة الأثاث المطعم بالصدف من غرف المجالس العربى والصالونات والسفر وأطقم المكاتب فصارت منتجاتنا سفيرا لمصر «صناعة مصرية بأياد منوفية» موضحا ان عدد سكان القرية حوالى 5 آلاف نسمة يعمل منهم 20 ٪ فى الصدف وأصبحت ساقية منقدى الأولى على مستوى الجمهورية فى صناعة الصدف ونشارك فى معارض تراثنا.
يوضح عدلان ان مبادرة «حياة كريمة» تسعى للحفاظ على المهنة من خلال «مبادرة سر الصنعة» منذ 3 سنوات بتعليم أهالى البلد مهنة الصدف فى مصانع القرية بتمويل من حياة كريمة حتى لا تنقرض «الصنعة».
يؤكـد عدلان ان صنــاعة الصــدف تتكـون من 4 مراحل الأولى النجارة العربى «الشغل الخام» من إعداد الأخشاب سواء الزان أو السويد ويتم تصميمها على حسب الموديل «الشغل اليدوى».. ثم تأتى المرحلة التالية التطعيم بالصدف وتعشيق قطع الصدف الطبيعية يدويا داخل الخشب بالرسومات الهندسية من التراث الإسلامى وبعدها المرحلة الثالثة استخدام مواد البوليستر لملء الفراغات بين قطع الصدف لتثبيت سطح المنتج ثم الصنفرة للمنتج بالصاروخ والتلميع لإظهار جمال النقوش ويعقبها مرحلة الدهان بالألوان على حسب اختيار «الزبون» ثم مرحلة السيلر والبوليستر والكورنيش والتنجيد الأسفنج والقماش للمجالس.. مطالبا بالتيسير فى الحصول على المواد الخام بدلاً من قيام رجال الأعمال بالاستيراد ومشاركة المصانع بنفسها فى المعارض الدولية حتى يتسنى لها النجاح فى التسويق الخارجى للحفاظ على المهنة.
الحاج محمد قوطة يؤكد ان صناعة الصدف ترجع إلى عصر المماليك الذين قاموا بإدخالها إلى مصر وسوريا وتركيا ولكل بلد لها طبيعة خاصة فى منتجاتها.. أما بالنسبة للفن الذى تقدمه ساقية منقدى للمحافظة على التراث والمهنة والتى يتراوح عدد العمال بالمصنع ما بين 150 و200 عامل عمالة منتظمة وغير منتظمة من الأيدى العاملة فقد استطاعت هذه المهنة القضاء على البطالة فى القرية.
يوضح قوطة ان صناعة الصدف فى القاهرة تكاد لاتتعدى اليد الواحدة أما فى المنوفية فالموضوع يختلف تماما حيث تكلفة المعيشة والإنتاج قليلة فأصبحت «الصنعة» تنحصر فى ساقية المنقدى بنسبة 90٪ من إنتاج الصدف وأصبحت الشهرة عالمية ومنتجاتنا تزين دول أوروبا وأمريكا والمغرب وتونس والعراق وتركيا.. مشيرا إلى أن أنواع الصدف محار نيلى وقواقع بحرية ويتم استيرادها من دول عمان واستراليا وأندونيسيا وماليزيا ودول شرق آسيا ونيوزيلندا وفى اليابان لديها الكائن الحى للمحار «مازر أوبيلر» أم اللؤلؤ ويتم الاستيراد عن طريق رجال الأعمال وفى مصر محار شبيه للمحار الصينى ويتم اصطياده من محافظة البحيرة.. ويكشف أن طلاب كليات الفنون الجميلة والتربية النوعية يأتون إلى ساقية المنقدى للتعلم.
يضيف حسين حسن «استورجى» ان طبيعة عمله تأتى من ضمن مراحل التشطيب وهى عبارة عن مادة البوليستر لملء الفراغات الموجودة بين الرسومات الهندسية ثم يتم صنفرة المنتج بالصاروخ لإظهار الرسومات الهندسية بوضوح.. موضحا ان طبقة البوليستر اللامع لحماية المنتج من الرطوبة والحرارة مما يضمن بقاؤه لفترات طويلة.
يلتقط نبيل نجاح «استورجى» طرف الحديث قائلاً: تعلمت المهنة منذ الصغر بكافة مراحلها ولكن فضلت العمل «استورجى» بعد جفاف البوليستر ثم صنفرة الأخشاب بالصاروخ لإزالة أى عيوب وتنعيم سطح المنتج والتصميم بدقة فائقة.
يقول محمد يحيى إن المهارة اليدوية للحرفيين مع دقة متناهية فى التفاصيل وتنوع المنتجات الفنية خاصة الأبواب المزينة بالصدف.
يروى فاروق يحيى قصته مع الصدف قائلاً: بدأت العمل بالصدف منذ 8 سنوات فى النجارة والتى نستخدم فيها الخشب الزان المصرى وأعمل حوالى من 6 إلى 8 ساعات يومياً.. فإنتاج ساقية المنقدى دمج بين التصميمات القديمة والحديثة لتناسب التطور الحديث على حسب احتياجات السوق والاتقان والدقة سر النجاح.
محمود نوح يقول: تربيت وعشت عليها فهى مهنة بلدى» وكل قطعة تحمل قصة حب بداخل العامل فهى مهنة فن واحساس من الطراز الأول.. النجارة تبدأ باختيار المادة الخام وتشكيلها على سحب التصميم المطلوب خاصة الأشكال الهندسية أو نماذج عصرية بعد تنظيف قطعة المنتج بالصاروخ «بردخة» نبدأ بالدهان بالسلر البولستير لملء الفراغات المتبقية فى التصميم ولضمان تماسك القطع.
يشير عماد سليمان إلى ان الأخشاب التى يتم استخدامها فى المهنة منها الزان والسويدى وابلاكاش وفايبر خشب والخشب البلدى ومن أشهر أنواعه الخشب الأبيض.









