مكتبه يمتلأ بالخرائط الصحية، والرسوم البيانية، وخطط التوسع، ووسط هذه الخرائط والرسوم البيانية يجلس د. أحمد السبكى رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرعاية الصحيةوالمشرف العام على مشروع التأمين الصحى الشامل بابتسامة هادئة تخفى وراءها تعب سنوات من العمل المتواصل.. فالرجل الذى يقود واحدًا من أهم المشاريع القومية فى تاريخ مصر: التأمين الصحى الشامل.. الذى لم يعد رفاهية، بل ضرورة وطنية.. مشروع لم يهتم ببناء مستشفيات جديدة فقط بل فلسفة صحية مختلفة، قائمة على العدالة والكرامة وجودة الخدمة.. وقد استطاع د. السبكى أن يفتح ملفات المنظومة الصحية بجرأة، ويكشف كيف تخطو مصر خطوة خطوة نحو حلم الأمان الصحى لكل مواطن.
عايزين تعريف بسيط للتأمين الصحى الشامل حتى يعرفه المواطن؟
التأمين الصحى الشامل ليس مجرد بطاقة تأمين، ولا منشأة جديدة، ولا خدمة مجانية… بل طريقة جديدة للحياة الصحية فى مصر، فالمواطن لم يعد مضطرًا لأن يقلق من تكلفة العلاج أو من مستوى الخدمة، ففى المنظومة الجديدة، يحصل على رعاية شاملة، بداية من الكشف البسيط إلى العمليات الكبرى، من خلال نظام يضمن الجودة والمراقبة المستمرة، إنه مشروع عدالة اجتماعية قبل أن يكون مشروعًا صحيًا، نحن نعيد للمواطن حقًا أساسيًا كان ينتظره منذ عقود: أن يمرض دون أن يُكسر.
هناك من يسأل دائمًا: ماذا تغيّر فعليًا؟ وما الذى يجعل النظام الجديد مختلفًا؟
الفارق جوهرى فالنظام القديم كان يغطى فئات محددة، والخدمات فيه كانت متفاوتة، ولا توجد مراقبة فعلية للجودة، أما النظام الجديد فإنه قائم على أساس الشمول: كل مواطن مصرى سيكون تحت مظلة واحدة، وعندنا هيئة اعتماد ورقابة مستقلة لا تجامل أحدًا، وفصل كامل بين التمويل وتقديم الخدمة والرقابة، وسجل طبى إلكترونى موحد، وبنية تحتية صحية حديثة تمامًا، وميكنة كاملة تمنع التلاعب وتضمن سرعة الخدمة، ونحن لا نعيد طلاء مبانٍ قديمة، بل نبنى منظومة جديدة من الجذور.
كيف تتأكدون أن المستشفيات الجديدة جودة حقيقية يلمسها المواطن؟
الجودة عندنا ليست اختيارية… إنها شرط تشغيل، ولن تعمل أى منشأة داخل المنظومة ما لم تحصل على اعتماد رسمى من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية، وهذا الاعتماد لا يُمنح بسهولة، حيث تمر المستشفى بأكثر من 350 معيارًا تشمل: سلامة المريض، ومكافحة العدوى، ومهارات الكوادر، وآليات التعامل مع الطوارئ، والانضباط فى تقديم الخدمة، والبنية الرقمية والميكنة، ثم لا يكفى أن يحصل المستشفى على الاعتماد، بل يخضع لمراجعات دورية، وإذا تراجع، يُسحب الاعتماد فورًا، وهذه ثقافة جديدة فى مصر فالمواطن له حق، ومنشآت الدولة مطالبة بمعايير عالمية.
ماذا حقق قطاع التأمين الصحى الشامل «خلال 5 أعوام»؟
منذ إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي إشارة البدء لانطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل تجريبيًا، في يوليو 2019 من محافظة بورسعيد، وتشغيلها رسميًا في نوفمبر من نفس العام تم توسيع نطاق تطبيق المنظومة في الـ5 سنوات الماضية لتشمل 6 محافظات، وفي فبراير 2021، تم إطلاق المنظومة في محافظات «الأقصر والإسماعيلية وجنوب سيناء» من خلال تقنية «الفيديو كونفرانس»، وفي نوفمبر 2022، تم اطلاق المنظومة تجريبيًا في محافظتي أسوان والسويس، وبذلك تم تطبيق المرحلة الأولى من منظومة التغطية الصحية الشاملة، وتم تقديم أكثر من 37 مليون خدمة طبية وعلاجية للمستفيدين بنظام التغطية الصحية الشاملة في هذه المحافظات، بما في ذلك أكثر من 15 مليون خدمة في بورسعيد، و13 مليون خدمة في الأقصر، و7 ملايين خدمة في الإسماعيلية، وأكثر من مليون خدمة في جنوب سيناء، و510 ألف خدمة في أسوان، و300 ألف خدمة طبية في السويس.
حدثنا عن التحول الرقمى.. لأنه يثير فضول الكثيرين؟
التحول الرقمى هو أحد أعمدة المنظومة، بدون رقمنة، لا يمكن تحقيق عدالة، ولا مراقبة، ولا جودة، ولذلك قمنا بتنفيذ السجل الطبى الإلكترونى الموحد، وكل مواطن له ملف طبى كامل، يشمل: تاريخه المرضى، والفحوصات، والأشعة، والروشتات، وخطط العلاج، والتقارير الطبية، كما تم ميكنة دورة العمل داخل كل منشأة من لحظة دخول المريض، إلى فتح الملف، إلى التشخيص، إلى صرف العلاج، فلا أوراق، ولاازدواجية، ولا فوضى، إضافة إلى الربط الإلكترونى بين جميع المحافظات فالطبيب فى بورسعيد يمكنه الاطلاع على ملف مريض من الأقصر خلال ثوانٍ، فالتحول الرقمى اختصر الزمن، وقلل الأخطاء الطبية،.
ما الذى يحدث فعليًا داخل المحافظة قبل إعلان تشغيل المنظومة فيها؟
المحافظات تمر بثلاث مراحل واسعة المدى تتمثل فى إعادة بناء البنية التحتية وتطوير شامل للوحدات الصحية، ورفع كفاءة المستشفيات، وتزويدها بأحدث الأجهزة، ونحن لا نقوم بصيانة بسيطة بل نعيد بناء النظام بالكامل، ثم تأتى مرحلة التدريب وتأهيل الكوادر من الأطباء والتمريض والإداريين حيث يخضعون لبرامج تدريب طويلة، بعضها داخل مصر وبعضها بالخارج، لأن هدفنا نريد فريقًا مدربًا على معايير الجودة العالمية، وفى المرحلة الثالثة التشغيل التجريبى ثم الكامل فنختبر المنظومة على أرض الواقع، نقيس السرعة والجودة وكفاءة الميكنة، ثم نعلن التشغيل الرسمى، وبهذه الخطوات دخلت محافظات: بورسعيد، والأقصر، والإسماعيلية، وجنوب سيناء، وأسوان، والسويس، ونستعد لمرحلة ثانية تشمل محافظات أكبر وأكثر كثافة.
بعض الأطباء يتساءلون عن مستقبلهم داخل المنظومة.. كيف نطمئنهم؟
الطبيب هو القلب الحقيقى للمنظومة، ونسعى لدعم الأطباء بما يحتاجونه من مسار وظيفى واضح، وحوافز مالية متميزة، وتدريب مستمر، وبيئة عمل منظمة، وأنظمة اعتماد ترفع من قيمته المهنية، وحماية قانونية وتنظيمية قوية، فلا نبالغ أننا نحن نعيد بناء المنظومة الطبية بكافة عناصرها حتى نجعلها منظومة جاذبة للكفاءات، لا طاردة لها.
ما الذى سيجده المواطن عندما يدخل منشأة تابعة للتأمين الصحى الشامل؟
سيجد ثلاثة أمور أساسية: نظام منضبط، موعد محدد، وملف إلكترونى، وطبيب يعرف كل تاريخه المرضى، كما سيجد المواطن جودة واضحة وفق معايير نظافة، وسلامة، وفحص شامل، وأجهزة حديثة، وتكلفة رمزية مساهمة يدفعها المواطن بشكل بسيط للغاية مقارنة بالخدمة، وقد تابعنا ردود أفعال المواطنين فى المحافظات التى شهدت تطبيق تجربة التأمين الصحى الشامل، وتأكدنا أن المواطن أيقن حقيقة أن بلده يقف بجواره، وأن مرضه لم يعد كارثة مالية.
البعض يخشى أن يكون المشروع ضخمًا لدرجة يصعب تمويله… ما تعليقك؟
المشروع قائم على نموذج تمويلى قوى، يعتمد على اشتراكات المواطنين ودعم الدولة للخدمات غير القادرة وإدارة رشيدة للموارد ونظام مراقبة مالية صارم ورقمنة تمنع الهدر والتلاعب، والهدف ليس فقط إطلاق المشروع، بل ضمان استمراره لأجيال قادمة.
ما أبرز التحديات التى واجهتك خلال تنفيذ المنظومة؟
التحديات كانت عديدة أبرزها: تغيير الثقافة الصحية، وتدريب آلاف الكوادر، وإرساء نظام جودة صارم، والانتقال من الورقى إلى الإلكترونى، وإعادة بناء بنية تحتية صحية فى وقت قياسى، ومواجهة التخوفات الأولية لدى الناس، لكننا تعلمنا أن كل خطوة صعبة تفتح طريقًا أسهل فيما بعدها.
كيف سيبدو التأمين الصحى الشامل عندما يكتمل فى مصر؟
ستصبح مصر من الدول التى تقدم رعاية صحية تضاهى الدول المتقدمة، وسيتحرك المواطن داخل أى منشأة طبية بثقة، يعلم أن الخدمة التى يحصل عليها آمنة وذات جودة، وأن تكلفة علاجه ليست عبئًا على أسرته، وسنمتلك منظومة رقمية منضبطة، وبنية تحتية محدثة، وكوادر مدربة على أعلى مستوى، وهذا ليس حلمًا… نحن بالفعل نسير فى الطريق
كلمة من د. السبكى للمواطن المصرى؟
أقول لكل مواطن: هذا المشروع بُنى من أجلك، ونحن نعمل بلا توقف حتى لا يشعر أى إنسان بالقلق من مرض مفاجئ أو تكلفة علاج عالية، والتأمين الصحى الشامل سيغير وجه الرعاية الصحية فى مصر، وسيبقى إرثًا يحمى أبناءكم وأحفادكم، عايزكم تثقوا أن الدولة تسير فى الطريق الصحيح… ونحن معكم خطوة بخطوة.









