قال لي صاحبي في حال من الارتباك والذعر أن صاحبه فلان الذي يعمل تحت رئاسته في المؤسسة قد ارتكب أحد الأخطاء الفادحة، وعليه إما أن يكشف عن هذا الخطأ أمام رؤسائه، ومن ثم يتعرض صاحبه لعقاب صارم ويفقد علاقته به، أو يتعاون معه في تمرير هذا الخطأ بإيجاد مبررات لهذا الفعل الخاطئ يخفف من فداحته، وبالتالي تكون الإدانة مخففة أو ملغاة.
في حياتنا، نقع في فخاخ مزدوجة من هذا النوع، وهذا ما تشرحه “معضلة السجين” حيث تتضمن هذا المعضلة متهمين لا يملك المحقق أدلة كافية على أي منهما لإثبات الجرم، وتكون الخيارات المتاحة أمام كل منهما أثناء التحقيق هي: إما أن يشهد أحدهما على الآخر، أو يلتزم كلاهما الصمت، وفي حال آثر المتهمان الصمت، فإن المحكمة لا يمكنها إثبات التهمة على أحد منهما، ومن ثم يتلقيان أخف عقوبة، أو الأقل ضرراً.
وتكشف العلاقة بين معضلة السجين وعالم السوق محاولة بعض الشركات ممارسة الاحتكار للاستحواذ على السوق وتحقيق أقصى ربح بالاتفاق مع أخرى على رفع السعر أو خفض الإنتاج، ومن ثم تحقيق أرباحاً مالية بين الشركات المحتكرة للإنتاج، لكن إذا تمت خيانة هذا الاتفاق من قبل إحدى الشركات عن طريق تخفيض السعر لجذب العملاء، فإنها قد تحقق منفردة أرباحاً أعلى بكثير، وهنا تكون النتيجة كما يطرح عالم الاقتصاد “ناش” ما يسمى توازن ناش حيث يختار كل طرف خيانة الآخر مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج وخفض السعر، مما يفضي إلى أرباح أقل لكليهما مقارنة بالتعاون بينهما. ومثلما تدفع المصلحة الخاصة أو الذاتية السجين إلى الاعتراف، فإن المصلحة الذاتية تجعل من الصعوبة بمكان أن يحتفظ احتكار القلة بتعاونه على أساس انخفاض الإنتاج وارتفاع الأسعار.
ويقدم “تايلور” مثالاً واضحاً على معضلة السجين من خلال الحياة اليومية، حيث يتفق والدان يملكان ميزانية محدودة لتدبير المعيشة على التحكم في إنفاقهما، وهنا يكون اختيار التعاون، على أمل أن يفعل الآخر الشيء نفسه أو أن يتجاهل أحدهما الاتفاق حتى يمارس الإنفاق كما يحلو له.
وعبر المواقف اليومية، في البيت، والعمل، والأنشطة كثيراً ما لا يتم التشاور بيننا مع أن مصير كل منا يعتمد على قرار الآخر، لكن تبقى المصلحة الذاتية تحت شعار “ومن بعدي الطوفان” حاكمة للمواقف، ويجب الاعتراف باستحالة النتيجة المثالية متى كانت الشراكة الإنسانية، وإلحاح المصالح، وضغوط الأنانية.
إننا بإزاء اتخاذ قرارات فردية تبدو عقلانية من أجل المصلحة الذاتية لكنها تحمل خيانة لطرف أو أطراف أخرى تؤدي إلى نتيجة أسوأ متى قام الطرفان بفعل الخيانة نفسه.
ويعد المبدع “صلاح جاهين” عن ذلك الفخ الإنساني المزدوج فيقول: “من بره شهامة وأصالة تشوفه تقول أعظم إنسان إنما من جوه يا عيني عليه بياع ويبيع حتى والديه.









